الحب والأخوة في الله تعالى

كثيرًا ما نسمع هذا المصطلح “الأخوة في الله” و”الحب في الله”، وأنها يجب أن تسبق كل محبة، أو يجب أن تكون هي الأصل بين المسلمين، والأساس من أجل قيام كيانهم وأمتهم، وهذا ما عمل به بداية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة؛ فلذلك.. نبدأ حديثنا فيما قاله أطهر وأصدق فم في هذا الأمر، قال صلى الله عليه وسلم: “أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له، علَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ، بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ”.

الحب في الله والأخوة فيه وفي الدين لا شك من أفضل الخلق، وهذه الأخوة والمحبة لها شروطها وحقوقها أيضًا لتكون خالصة لله تعالى، ومن ثم تكون سببًا للتقرب إلى الله تعالى من خلال هذه المحبة والأخوة فيه ذي الجلال والإكرام.

هناك أصول وحقوق وواجبات لهذه المحبة في الله تعالى، نعم، فهي مرحلة القمة، قمة السمو والعلو عند الله تعالى؛ بل تؤدي بالمتحابين لمنزلة الأنبياء والشهداء؛ بل يغبطهم الأنبياء والشهداء على مكانتهم يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ مِن عبادِ اللهِ لَأُناسًا ما هم بأنبياءَ ولا شُهداءَ، يغبِطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ يومَ القيامةِ بمكانِهم مِن اللهِ تعالى، قالوا: يا رسولَ اللهِ، تُخبِرُنا مَن هم؟ قال: هم قومٌ تحابُّوا برُوحِ اللهِ على غيرِ أرحامٍ بَيْنَهم، ولا أموالٍ يتعاطَوْنَها، فواللهِ إنَّ وجوهَهم لَنُورٌ، وإنَّهم على نُورٍ، لا يخافونَ إذا خاف النَّاسُ، ولا يحزَنونَ إذا حزِن النَّاسُ”، وقرَأ هذه الآيةَ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

نعم، حينما أقول لأخي في الله: “أحبك في الله” ماذا نعني بها؟ وما أصول تعاملي مع هذا الذي أحبه في الله؟

من الحب في الله تعالى محبة الخير لإخوانك في الله، فهذه الأخوة في الله نعمة لا يعرف قدرها إلا الكيّس الفطن نقي القلب والسريرة، فلنحرص على هذه الأخوة والمحبة وعلى ثباتها وتجديدها بشكل مستمر، إنها المحبة والأخوة في الله.

ويجب أن نعلم يقيناً أنه من أعظم وأجمل متع هذه الدنيا أن تكون المحبة والأخوة بيننا كإخوة لله وفي الله مسلمين، وهذه الأخوة في الله تعالى يسعى الشيطان الرجيم وجنوده بكل ما استطاعوا لزوالها من تربيتنا وفكرنا وأعمالنا لعلمهم -الشيطان وجنوده- أن هذه الأخوة والمحبة في الله طريق القوة، وطريق النصرة، وأصل لقيام الأمة على أصول الدين الذي مقياسه ومسطرته الكتاب والسُّنة، وهذا بالنسبة للشيطان وخدمه أمر مخيف بكل معنى الكلمة، فأنشأ العدو جماعات لا همّ لها إلا أن تتصيد الأخطاء العفوية للإنسان؛ ومن ثم صناعة الظلال والتداعيات من أجل تلاشي المحبة والأخوة في الله تعالى؛ فلذلك نؤكد ونقول: فليبر الأخ بأخيه إحسانًا، ونعذر بعضنا بعضًا، ونقدم حسن الظن، وننظر للمحكم في الإنسان وفكره، ويكون هذا هو الأصل، والمتشابه نرده للمحكم إذا جاز التعبير “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ”، لنحترم بعضنا ويوقر بعضنا بعضًا، ونلين لبعضنا بعضاً قبولًا ونقاًشا واختلافًا حتى تدوم هذه المحبة والأخوة في الله تعالى، فإنها القوة الأقوى في إضعاف الشيطان وجنده.

من تكون له أخوة ومحبة في الله تعالى مع إخوانه وأحبابه فليحمد الله تعالى، وليعلم أن الله قدم له دليلاً على أنه سبحانه وتعالى نظر له نظرة خير ورفق وحب.

نعم أيها القارئ الكريم؛ وذلك لقوله تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: 63)، نعم إنه الفضل الأكبر والمنة الرائعة عليك أيها المحب في الله تعالى (وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، إنها لفتة من الله تعالى لعبيده المتحابين فيه، نسأل الله تعالى أن يديم المحبة في الله تعالى علينا إخواني في الله.

هذه المحبة في الله والأخوة فيه جل جلاله أصل من أصول؛ بل هي الدعامات الأساسية والمحورية لبناء الأمة والمجتمعات، وهذه الأخوة والمحبة في الله تعالى هي التماسك الذي يزيد الأمة قوة ووحدة كما قال تعالى مؤكدًا هذه المحبة وأثرها على الأمة قائلًا: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103)، وهذا ما عمل به النبي صلى الله عليه وسلم بداية بالأخوة بين المهاجرين والأنصار، فكانت هذه الأخوة هي الأرضية الصلبة والدعامات الكبرى لقيام الدولة الرائعة العظيمة.

إن الله تعالى يوصي عباده بالأخوة والحب والتصبر على الإخوان؛ قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف: 28)، وهذا حث واضح تعريضًا وضمنًا في مجالسة الأخيار والتواد معهم والصبر على كل ما يمنع ذلك لتكون واحدًا بين من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ”، هذا في أقل الأحوال.

نعم، ولا تشقى دولتهم؛ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الدولة على هذا الإخاء العظيم بين الأنصار والمهاجرين، فأغلق أبواب الشياطين حتى لا تنخر بالدولة، واليوم الشيطان الرجيم وخدمه بذلوا كل الجهد لفتح هذه الأبواب على مصراعيها من خلال إلغاء المحبة والأخوة في الله تعالى، وتصيد الأخطاء والزلات، وصناعة الظلال والتداعيات السلبية لنكون في الهاوية.. فافهموا!

 

 

_____________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version