لا يكن التعميم سلوكك اليومي

أذكر عند الامتحانات المدرسية إذا ضبط طالب يغش، فورًا يقول: كلهم يغشون، وهذا يسمى في علم النفس «الإسقاط»، هو حيلة دفاعية من الحيل النفسية اللاشعورية، وعملية هجوم يحمي الفرد بها نفسه بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المحرمة أو المستهجنة بالآخرين، وينتهي الأمر بالتعميم على الآخرين.

وقد يصدق التعميم أو يفشل بحسب المعلومات المتوافرة، فعندما أعمم على أصدقاء الديوانية «كلهم مقصرون، لم يتصل بي أحد وأنا مريض»، فهذا التعميم مبني على معلومة دقيقة وواضحة، لكن الإشكالية تقع عند التعميم السلبي دون معلومة، والأسوأ دون تثبت، فهذا التعميم آفة المجتمعات، يستغلها بعض الخصوم لضرب منافسيهم عبر الآخرين، حتى أصبحت عادة لدى معظم شعوب العالم، إلا ما رحم ربي.

تذكرت ذلك لما تواصل معي أحد التجار عندما شن الناس حملة ضد الفساد والعمالة السائبة، متهمين التجار بأنهم وراء ذلك، وقال: هذا أمر مشين التعميم على كل التجار، فالتجار ليسوا سواء، وكل يتحمل وزره ومسؤوليته.

وهذا كلام صحيح، فأنا أعرف العديد من التجار ورجال الأعمال الشرفاء بعيدين كل البعد عن المخالفات القانونية والشرعية، وملتزمين بالقانون، وهذا الكلام بلا شك يؤثر عليهم نفسيًا لما فيه من تعميم جائر، وإهانة غير مباشرة، وخلط بين الناس، وتأثر سمعتهم.

ويجري الأمر على كل تعميم.. كله من الشيوخ، ما باقونا إلا الجنسية الفلانية، المتدينون ضيقوا علينا، الليبراليون وراء الفتن، بدو.. حضر.. عجم.. والعائلة الفلانية، والقبيلة العلانية، ويتبع ذلك تصنيف الناس حسب جنسياتهم.. كله من الأمريكان، الأتراك.. وحسب أديانهم وألوانهم وتياراتهم وأحزابهم وأفكارهم، ولم يسلم من لسانهم أحد، حتى أرحامهم وأبناؤهم يصيبهم التعميم، وهذا بلا شك من الأخطاء الجسيمة في التعامل مع الآخرين.

لقد نهى الله عز وجل عن ذلك، فالعدالة مطلوبة؛ “وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!”، فهل أنا مضطر للمشاركة باتهام الآخرين؟

قد يستشهد البعض بالآية (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً) (التوبة: 97) لما فيها من تعميم، إلا أن لها خصوصية، فقال سبحانه عن الأعراب: (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {98} وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبة)، فانظر إلى العدل والإنصاف وعدم تعميم الأحكام للجميع.

العدل مطلوب، والله يحكم ويحاسب المخطئ (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ) (العنكبوت: 40)، وجاء في التعميم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أعظمَ الناسِ عند اللهِ فِريةً لرجلٌ هاجى رجلًا فهجا القبيلةَ بأسرِها»، فقبل أن ننفعل بتعليقاتنا ونندفع بتعميماتنا، لنتذكر قول الله عز وجل: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (فاطر: 18).

فلا نجعل التعميم هو الأصل في الحكم على الآخرين، حتى لا ندخل في إطار الفتن ونشر الإشاعة، ولا نبني آراءنا على خلفيات محدودة، وردود فعل سريعة، وظنون نفسية؛ (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (يونس: 36).

ولننشر هذه الثقافة بين الناس برفض التعميم الجائر، بدءًا من أنفسنا وأبنائنا، ولا نجعل التعميم سببًا في نشر الفتنة والإشاعة والإساءة للوطن.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.

Exit mobile version