كورونا وتغير النظام الدولي

لم يبق بلد وحيد في العالم ولم يتأثر بفيروس كورونا الذي أودى بحياة الآلاف وأصاب أكثر من مليون و400 ألف حتى مساء 8 نيسان 2020م، ولكن الفيروس سبب رعباً كبيراً لدى الدول ومواطنيها خاصة تلك التي داهمها الفيروس قبل أن تتخذ اجراءات مبكرة أو تلك التي ركزت على القوة العسكرية ولم تسثمر في البنية التحتية الصحية مما جعلها مرتبكة. وخلق مخاوف قد تصل لانهيار اقتصادات بلدان بعينها وحتى تغيير هياكل تحالفية وحكومات وما شابه.

هناك نماذج أكثر وضوحا كحالة الاتحاد الأوروبي، الذي أثبتت دوله أنها عاجزة على التضامن فيما بينها بعد قرصنة شحنات المواد الطبية وأجهزة التنفس، ومثال على ذلك ما فعلته التشيك من السطو على شحنة طبية قادمة من الصين إلى إيطاليا، وعدم قيام الاتحاد بشيء ملموس لمساندة إيطاليا وإسبانيا كونهما من أكثر الدول تضررا من الفيروس.

هناك دول أخرى تحت العقوبات مثل إيران، ودول أخرى تعرضت لكورونا في ظل انخفاض أسعار النفط وتراجع مخططات التنويع بل توقف بعضها. ودول مثل ليبيا والعراق ولبنان تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية.

لكن العيون تتجه إلى الصراع بين أكبر قوتين وهما الولايات المتحدة والصين، وهو الصراع المفترض على قيادة النظام الدولي خاصة في ظل تراجع الولايات المتحدة وعدم تحركها على المستوى العالمي بل انكماشها نحو الداخل، واتخاذها اجراءات متأخرة، وقد انحدرت إلى مواجهات تافهة مثل المواجهة مع منظمة الصحة العالمية بحجة أنها تساند الصين بشكل أكبر، وهو ما عبر عنه ترامب بشكل واضح حيث أعلن ترامب أنه يدرس “تعليق” المساهمة المالية الأميركية  (120 مليون دولار سنويا) في منظمة الصحة العالمية  بعد ما وصفه بـ”فشلها” في دق ناقوس الخطر حول فيروس كورونا المستجد، في وقت أبكر. وكان ترامب قد غرد على تويتر قائلا إن “منظمة الصحة العالمية أفسدت الأمر حقا، لسبب ما ورغم التمويل الأميركي الكبير لها، ما زالت تركز كثيرا على الصين، سننظر في هذا الأمر جيدا”.

مع كل هذه المقدمة ووجود كثيرين يقولون أن عالم ما بعد كورونا سيكون مختلفا عن العالم قبلها أو بعبارة أدق سنكون أمام نظام دولي مختلف، لكن لا أحد يعلم ما هو شكل هذا النظام هل سيكون أحادي القطبية بقيادة الصين أم أن الصين هي الأخرى ستتراجع، أم أنها لا تريد قيادة هذا النظام حاليا؟ هل سيكون متعدد القطبية بصعود الصين وروسيا والبرازيل والهند واليابان وألمانيا؟، أم أن الفيروس سيكون له أضرار أكبر على كل هذه الدول؟. لايوجد حتى هذه اللحظة إمكانية للإجابات القاطعة أوللقول بشكل واضح أننا أمام نظام دولي جديد لكن بالتأكيد ستتم إعادة النظر في النظام الدولي الحالي وفق المتغيرات الجديدة ولكن وفق التنافسات الجيوسياسية الموجودة أصلا. وكل هذا مرهون بامتداد أزمة كورونا وهل سيكون هناك لقاح فعال للمرض، هل ستستجيب الشعوب لحكوماتها، هل ستنجح دول وتفشل أخرى. بالتأكيد أن كل هذه العوامل ستؤثر على النظام الحالي، وليس بالضرورة أن تغيره.

حتى الآن تجمع التقديرات المعتبرة مثل تقدير ستراتفور أن الضرر الذي سيتسبب به الفيروس سيكون اقتصاديا بالدرجة الأولى، وقد توقعت منظمة التجارة العالمية تسجيل تراجع حاد في التجارة العالمية خلال العام الجاري. وأشارت المنظمة في تقرير جديد إلى أن الانكماش قد يتراوح بين 13 في المئة و32 في المئة هذا العام. ومن المُرجح أن يتجاوز الركود الناجم عن الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من عشر سنوات. ومع ذلك يبقى السؤال هل ستتجاوز دول العالم هذا الركود أم لا . حتى الآن من الصعب الجزم بذلك.

وفي هذا السياق يقول الباحث المخضرم ريتشارد هاس في مقال له في فورين أفيرز لن يغير “كورونا” الاتجاه الأساسي لتاريخ العالم كثيرًا لكنه سيسرعه. لقد كشف الوباء والاستجابة له عن الخصائص الأساسية للجغرافيا السياسية وعززها. ونتيجة لذلك، تعد هذه الأزمة محطة على طول الطريق التي كان العالم يسير عليها خلال العقود القليلة الماضية أكثر من كونها نقطة تحول.

وهنا يشير هاس بطريقة غير مباشرة أن الفيروس ليس سبباً أساسياً في أي تغيير قادم ولكنه سيسرع عملية التغيير التي كانت مستمرة منذ عقود.. ويرى في ذات السياق أنه من السابق لأوانه التنبؤ بموعد انتهاء الأزمة نفسها. سواء في غضون 6 أو 12 أو 18 شهرًا، سيعتمد التوقيت على درجة اتباع الأشخاص للمبادئ التوجيهية للمسافة الاجتماعية والنظافة الصحية الموصى بها؛ وعلى توافر اختبارات سريعة ودقيقة ومعقولة التكلفة وعقاقير مضادة للفيروسات؛ ومدى الإغاثة الاقتصادية المقدمة للأفراد والشركات.

وكخلاصة حتى الآن يمكن القول أن أزمة كورونا ستؤثر بقوة على الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية وهما مترابطان ولكن لايمكن القول أن هذا يعني تغيير شكل النظام الدولي الحالي. ينبغي أن لا نتجاهل اجراءات الدول الكبرى واستراتيجياتها في التعامل مع الأزمة.

عند هذه النقطة يمكن القول أن القوى الكبرى ربما تتخفف من بعض مسؤولياتها تجاه بعض الدول ولكن ليس في القضايا الاستراتيجية لأنها تدرك أن التغيير الإقليمي سينعكس على التغيير الدولي. ومع ذلك قد تكون هناك فراغات وهوامش تؤدي إلى حدوث تغييرات ما في الأنظمة الإقليمية بما لا يؤثر جوهريا على النظام الدولي.

Exit mobile version