رمز العمل الخيري الكويتي العم يوسف جاسم الحجي

رغم معرفتي الجيدة بالعم يوسف جاسم الحجي؛ إلا أنني أقف حائراً أمام هذا البحر الزاخر في سجل العمل الخيري، وهذا الجبل الشاهق في فضاء العمل الدعوي.. وإن البيان ليكاد يعجز – حقاً – عن الإحاطة بإنجازاته الضخمة؛ وإن القلم ليقف متردداً في توثيق سيرة ومسيرة هذه الشخصية الفاضلة الثرية المعطاءة.. على مدى أكثر من نصف قرن من عمره المديد.

وإن الكلمات لتتفلت من المرء، فيبحث عنها في بحر.. ماؤه من الذهب، ليقدُر هذا الرجل حق قدره، وما هو بقادر؛ إذ قدره ومقداره وجزاؤه الأوفى – بإذن الله – عند ربه تعالى بفضله ورحمته، القائل في كتابه المبين (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿39﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴿40﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى ﴿41﴾).

فهو وإخوانه – من رواد العمل الخيري ورموزه – مَن صَنعوا تاريخ الكويت الخيري الحديث، وهم من رفع رأس وطنهم عالياً بين الناس، وهم من أعلوا – بفضل الله – راية دينهم وأمتهم خفاقة في سماء الدنيا.

وإن القاصي والداني والقريب والبعيد، ليقف بكل فخر واحترام وإعجاب، أمام العم يوسف الحجي، أحد الأخيار الكبار الذين قادوا العمل الخيري، بالحكمة والأناة والموعظة الحسنة. فلا يكاد يُذكر العمل الخيري والإنساني في الكويت إلا ويتبادر للأذهان اسم العم يوسف الحجي – الرئيس السابق للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية – التي تبوأت – عَبْر جهوده أثناء رئاسته لها – مكانة متميزة في الكويت على المستويين الحكومي والشعبي، فضلاً عن كونها عالمية التأسيس والإنفاق والتمويل. بالإضافة إلى رئاسته للجان الكويتية المشتركة للإغاثة منذ تأسيسها، وغيرهما من مؤسسات العمل الخيري الكويتي.

مسيرته معروفة بالورع والتقوى، فهو ممن جُبلوا على حب الخير ونصرة المسلمين في بقاع العالم.

إن العم بويعقوب، من رجال الكويت الذين يشهد التاريخ المعاصر مآثرهم، ومن الصعب أن يطويهم النسيان؛ لما سطروا من صفحات بيض في مسيرة التاريخ، ولأنهم رجال تحملوا المسؤولية بكل جدارة واستحقاق: مسؤولية الدعوة إلى الله.. وخدمة عباده المؤمنين، فاستحقوا الشكر والتقدير والتكريم.

وقد حاز – رحمه الله- جوائز عدة أبرزها جائزة الملك فيصل العالمية في العمل الخيري

وتوالى تكريم الهيئات له بعد ذلك، حتى قال عنه أحد الكتاب المعاصرين: “لا يُذكر العمل الخيري في الكويت إلا ويتبادر إلى الذهن اسم العم يوسف جاسم الحجي”.

يمكن وصفه في كلمات بأنه الكادح كدح الفقراء، والمبتعد عن صخب الشهرة وضجيجها، والعامل بصمت لا يريد جزاءً ولا شكوراً، والفرد المنجِز إنجاز فريق متكامل. العمل عنده يجب أن يكون لله عز وجل، وأكثر ما يبغضه الحديث عن نفسه ونشأته، فالكثيرون من معارفه وأصدقائه يعلمون عطاءاته وأفعاله؛ إلا أنهم لا يتحدثون عنها؛ بناءً على رغبته وطلبه. وحسبه أن الله يعلمها (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) (البقرة : 197).

يحمل مسيرة 87 عاماً من الجهد والعمل، ترتسم ملامح التواضع والحكمة على وجهه، وتتزين جبهته بدلائل العطاء، وأنوار البذل والسخاء، يحظى باحترام الجميع وتقديرهم وحبهم، رغم اختلاف المشارب والتيارات.

الكويت هي مسقط رأسه وبلده وموطنه، عاش على أرضها وأكل من خيرها، وحبه لها لا يدانيه حب. كان يقول: دائماً نحن جميعنا مأمورون شرعاً بأن نحب أوطاننا وندافع عنها ونضحي من أجلها، فمن مات دون وطنه أو أرضه – كما جاء في الحديث الشريف – فهو شهيد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة “إنك لأحب بلاد الله إلى الله، وإنك لأحب بلاد الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”.

وكما أحب وطنه الكويت فإنه أحب جميع الأوطان العربية والإسلامية، وأحب كل مكان يذكر فيه اسم الله تعالى، وكأنه يتمثل قول الشاعر:

وأينما ذُكر اسم الله في وطن       عددت أرجاءه من لب أوطاني

ولذلك وجه مساعدات الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية واللجنة المشتركة للإغاثة على السواء وغيرهما من المؤسسات التي تولي رئاستها أو كان عضو بها إلى خدمة المحتاجين في الكويت وخارجها في كل البلاد العربية والإسلامية.

نشأ يوسف في بيت علم يقصده العلماء، ويؤمه الوجهاء، وكان يرافق والده إلى مجالس العلماء، يغترف من معينهم الصافي وينهل من موردهم العذب، مبتغيًا رفع الدرجات الذي وعد به رب الأرض والسماوات.

واستمر على هذا النهج حتى بعد وفاة والده؛ حيث كان يحرص على حضور الدروس والمواعظ الدينية، مما كان له أكبر الأثر في تكوين شخصيته. وبعد الدراسة في المدرسة المباركية، تعلم اللغة الإنجليزية في مدرسة الأستاذ هاشم البدر. كان العم يوسف الحجيً محبا للعلم الديني في طفولته. ولم لا وقد نشأ في بيت إيمان وتقى.

تلقى العم يوسف جاسم الحجي، العلم على العديد من المعلمين، وكان منهم الشيخ عبدالله النوري والأستاذ عبدالرحمن الرويح، اللذان درسا له اللغة الإنجليزية في مدرسة “ملا عثمان وإخوانه”. ودرس اللغة الإنجليزية أيضا في مدرسة هاشم البدر القناعي – وكانت في منطقة الصفاة، إضافة إلى الطباعة والقواعد، وكان من معلميه فيها الشيخ عبدالله الخلف الدحيان، والشيخ أحمد الخميس، والشيخ عبدالوهاب الفارس.

إن المتأمل في أسماء هؤلاء العلماء الكرام الذين تعلم على يدهم العم يوسف جاسم الحجي ليعلموا الخلفية التربوية والتعليمية التي نشأ بها العم والتي أفرزت مثل هذه الشخصية الخيرية العظيمة.

Exit mobile version