مجلة «المجتمع».. والعم عبدالله المطوع

منذ خمسين عاماً مضت، في مثل هذا الشهر؛ أي في مارس 1970م، ولدت مجلة «المجتمع» الكويتية، ولدت لا ليقتصر إصدارها على الجهة التي أصدرتها وهي جمعية الإصلاح الاجتماعي في دولة الكويت، بل لتكون مجلة المسلمين في جميع أنحاء العالم، تحس بنبضهم، وتوفر لهم الثقافة الإسلامية الوسطية التي تبرز شمولية الإسلام وتناوله مظاهر الحياة جميعاً.

كان في القلب من هذه الشمولية الاقتصاد الذي كان -وما زال- عنصراً مهماً في تلك المجلة العريقة، ليس على مستوى كتابة المقالات فحسب، بل على مستوى الواقع الميداني، فاقتصاد هذه المجلة وغيرها من المشروعات الخيرية لجمعية الإصلاح الاجتماعي هو الوقود الذي يحرك عملها الهادف وخطواتها النبيلة، ليس على مستوى الكويت فقط، بل على مستوى العالم أجمع.

وهنا تبرز -لا محالة- شخصية العم أبي بدر الحاج عبدالله المطوع يرحمه الله الذي طوعه الله لبناء هذا البنيان مع ثلة من الصالحين من أهل الكويت وغيرهم من الشخصيات الإسلامية التي احتضنتها الكويت كرائدة في العمل الإسلامي.

رجل الأعمال المسلم

وقد كان أبو بدر مثالاً حياً لرجال الأعمال المسلمين الذين يستخدمون نعم الله في سبيل الله؛ فكان موفقاً بفضل الله في كل عمل تجاري يقوم به، وكان كل توفيق في ربحية الدنيا يقابله توفيق في السخاء والدعم لكل ما يحبه الله ويرضاه، فساهم في الكويت بتأسيس مكتبة المنار الإسلامية عام 1960م، وجمعية الإصلاح الاجتماعي عام 1963م، ومجلة «المجتمع» عام 1970م، ومدرسة النجاة الخاصة عام 1970م، ودورات تحفيظ القرآن الكريم، ومعارض الكتاب الإسلامي، والمواسم الثقافية، واستضافة الوفود والمحاضرين والعلماء، وإقامة المشروعات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والصحية والرياضية وغيرها، وامتدت أياديه البيضاء المنفقة وأعماله الخيرية المبهرة لأنحاء العالم الإسلامي.

ولعل ما ذكره العلامة الشيخ يوسف القرضاوي عنه يبرز بعض هذه المواقف، حيث قال عنه: «لقد كان مرجعاً لكل من يأتي إلى الكويت لطلب المساعدة في المشروعات الخيرية والإسلامية من كل أقطار العالم، رأيته في بيشاور في محاولات الإصلاح بين الإخوة المجاهدين في أفغانستان، ورأيته في فرنسا في افتتاح الكلية العلمية الإسلامية، ورأيته في مؤتمرات شتى تعمل للإسلام.. وحين ناديت بضرورة التصدي لخطة التنصير لأبناء المسلمين التي قررها المنصّرون الأمريكيون في اجتماعاتهم بولاية كولورادو عام 1978م، ورصدوا لذلك ألف مليون دولار جمعوها في الحال، فاقترحت تأسيس هيئة خيرية عالمية رأسمالها ألف مليون دولار، وأعلنت ذلك في ختام مؤتمر المصارف الإسلامية المنعقد في الكويت، أقبل عليَّ الأخ أبو بدر، وهمس في أذني قائلاً: إني أتبرع بمليون دولار، وأرجوك ألا تعلن عن اسمي، ولم يكتف بذلك، بل ضم إلى المليون عمارتين من عماراته أوقفهما لصالح المشروع، وكان أبو بدر عضو اللجنة التحضيرية التي قامت بالإعداد للمشروع الكبير مع يوسف الحجي، وسليمان الراجحي، وعبدالله العقيل، والفقير إليه تعالى، حتى تأسست الهيئة الخيرية العالمية.

وحين دعوتُ إلى تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أرسل لي مبلغاً طيباً مع الأخ الجليل د. عجيل النشمي.. لم يكن عبدالله المطوع مجرد رجل من ذوي الثراء، فقد عاش عمره صاحب دعوة وحامل فكر وجندي رسالة نذر لها عمره ووهب لها وقته وماله وفكره».

إنشاء المصارف الإسلامية

ولعل ما لا يعرفه الكثيرون دور العم عبدالله المطوع في ميلاد المصارف الإسلامية، فلولا جهده وإخوانه ما رأت هذه المصارف النور، تلك المصارف التي دعا إليها الإمام حسن البنا، ووضع تصوراً لها في عام 1939م، وظلت هذه الفكرة لا تغادر العلماء ورجال الأعمال من أبناء الحركة الإسلامية حتى تحولت إلى خطوات عملية من خلال تشكيل لجنة تحضيرية لدراسة مشروع بنك  إسلامي بالكويت في عام 1968م، وتكونت تلك اللجنة  من السادة: عبدالله المطوع، وجمال الدين عطية، وهمام الهاشمي، ونزار السراج، وإسماعيل رأفت، ومحب المحجري، ومحيي الدين عطية، وعبدالله العقيل، وعبدالواحد أمان، وتم تعيين رائد البنوك الإسلامية فيما بعد د. عيسى عبده مقرراً لها، ودعت اللجنة الشيخ إرشاد، صاحب أول تجربة لمصرف تعاوني إسلامي لا ربوي في باكستان، لزيارة الكويت ولقاء اللجنة للوقوف على تجربته وما واجهته من معوقات.

ويرجع الفضل لهذه اللجنة في وضع لائحة بيت التمويل الكويتي، ومذكرة التعريف به كشركة مساهمة كويتية تحت التأسيس، وكان د. عيسى عبده دائم التواصل لتحويل هذا المشروع إلى واقع من خلال لقاءاته المستمرة مع أعضاء اللجنة وغيرهم من أمثال السادة: عبدالعزيز الصقر، ويوسف الرفاعي، وعبدالعزيز المطوع، وعبدالعزيز العتيبي، وأحمد بزيع الياسين، ويعقوب الغنيم، ود. وحيد رأفت، ود. محمود الشافعي، ود. عثمان خليل، ود. عبدالرحمن عبدالخالق، ومحمد الأشقر، وعمر الأشقر، وعبدالستار أبو غدة.. وغيرهم.

ومع هذا الجهد والسبق للكويت، فللأسف لم يكتب ميلاد أول مصرف إسلامي عالمي فيها، وذلك بسبب ما تعرض له المشروع من رفض، حيث كانت النظرة الرسمية والمصرفية الكويتية -في ذلك الوقت- ترى استحالة قيام مصرف على أساس غير ربوي، حيث كان الشعار السائد عربياً «لا اقتصاد بغير بنوك.. ولا بنوك بغير فوائد»، وهو ما أدى إلى انتقال المشروع إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على يد رجل الأعمال -ابن الحركة الإسلامية- الحاج سعيد لوتاه الذي استعان بالدكتور عيسى عبده وانتدبه من عمله بالمملكة العربية السعودية ليكون مستشاراً لتأسيس بنك دبي الإسلامي، واستغرق التحضير والتأسيس طوال عام 1974م، وتم افتتاح البنك رسمياً عام 1975م، ليكون أول بنك تجاري إسلامي قطاع خاص في العالم.

ثم ما لبث أن قام وزير المالية الكويتي -حينئذ- عبدالرحمن سالم العتيقي بالاتصال بالدكتور عيسى عبده مبيناً حرصه على إقامة مشروع بيت التمويل الكويتي، وأرسل إليه مندوباً لتسلم ملف الدراسات الخاصة بالمشروع، وبعدها تم تأسيس بيت التمويل الكويتي في عام 1977م.

إن كل هذه الأحداث تعكس قيمة المال الخادم لدين الله، وقيمة التكامل بين العلماء ورجال الأعمال، وفضل الصحوة الإسلامية ورجالاتها في ميلاد صروح الاقتصاد الإسلامي في واقعنا المعاصر، وأنه مهما اشتدت الظلمة فنور الفجر قادم بعدها لا محالة، ورحم الله أبا بدر الحاج عبدالله المطوع الذي ظل وفياً لدعوته، مستنيراً بأول لقاء جمعه بالإمام حسن البنا في الحرمين الشريفين؛ فكان العمل والبذل في سبيل الله منهجه، والتفاؤل بمستقبل هذا الدين رؤيته، فكان يقول: «الإرهاصات والمبشرات تبعث على الأمل والتفاؤل، فهناك قرائن عدة تدل على الإقبال على التدين والتمسك بالإسلام، ومنها: انتشار ظاهرة الحجاب بين الفتيات، وإقبال الشباب والشابات على المساجد، وتحول البنوك الربوية إلى بنوك إسلامية، ونجاح الإسلاميين في كل انتخابات يخوضونها، والإقبال على العمل التطوعي والعمل على تلبية احتياجات المعوزين».

Exit mobile version