أهم ملفات السياسة التركية لعام 2020م

كانت أجندة السياسة الخارجية التركية في عام 2019م كثيفة للغاية، ولا يتوقع أن تكون الأجندة في عام 2020م أقل كثافة من العام المنقضي، ولعل المتابعين يذكرون على الأقل ما اختتمت به تركيا عام 2019م في ربعه الأخير حيث شهد أكتوبر 2019م عملية “نبع السلام” في شمال سورية التي هدفت لطرد وحدات “بي واي دي” من مناطق شرق الفرات، ويمكن القول: إنها تحققت جزئياً، وقد لاقت تركيا معارضة أوروبية وعربية كبيرة وتحولاً في الموقف الأمريكي، كما وقّعت تركيا مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية تعتبر الأولى مدخلاً لإحباط مخططات دول شرق المتوسط لترتيبات الطاقة في المنطقة بدون تركيا، فيما كانت الثانية مقدمة لتواجد عسكري تركي في طرابلس.

وحتى أجندة السياسة الداخلية التركية لم تكن خفيفة، فقد خسر حزب العدالة والتنمية اثنتين من البلديات الكبرى، هما أنقرة وإسطنبول، ولم يستطع برغم كل محاولاته الفوز في الثالثة؛ وهي بلدية إزمير؛ مما أضاء كل مؤشرات التحذير أمام مستقبل الحزب ووضعه في الانتخابات المقبلة التي من المتوقع أن تُجرى في عام 2023م.

كما أن رئيس الحزب الأسبق أحمد داود أوغلو، ووزير الخارجية الأسبق عن الحزب علي باباجان قد شرعا في تأسيس أحزابهما الخاصة، وفيما تجسد حزب داود أوغلو على الأرض تحت اسم “حزب المستقبل”، فإن حزب باباجان ما زال قيد الإنشاء!

ولعل بروز باباجان، الخبير الاقتصادي والوزير، الذي كان الاقتصاد التركي في فترة عمله وزيراً للاقتصاد يقدم أرقاماً صاعدة قد جاء بعد تعرض تركيا لهجمات اقتصادية في عام 2018م أدت إلى أزمة واضحة في العملة التركية، ولكن خبراء الاقتصاد في تركيا يشيرون إلى عام 2019م أنه كان عاماً بذلت فيه جهود كبيرة من الدولة للتعافي من الهجمات الاقتصادية ولتحقيق أرقام نمو أفضل وهم راضون عن الأرقام التي تحققت في عام 2019م، ويرون أن الاستمرار على هذا النهج في عام 2020م سوف يحدث لتركيا ارتياحاً كبيراً في المجال الاقتصادي.

لعل من أهم ما شهده صيف العام 2019م هو وصول أول مجموعة من أجزاء منظومة “إس-400” الروسية إلى مطار عسكري في أنقرة، وهي الصفقة التي سببت توتراً أمريكياً تركياً فرضت بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على تركيا، كان أبرزها إخراج تركيا من برنامج إنتاج طائرات “إف 35” وحرمان تركيا من الطائرة، وفي هذا السياق؛ فإن من المتوقع أن تستمر هذه القضية حاضرة في العام 2020م، ولكن تركيا ستعمل قدر الإمكان على إدارة الأزمة بطريقة لا تتسبب في قطع العلاقات.

من المعلوم أيضاً أن العام 2020م وشهر نوفمبر تحديداً سيكون عام الانتخابات الأمريكية، ومن المعلوم أن ترمب مر في عام 2019م بأزمة العزل، ولكنه يتجه للانتخابات وهو يشير إلى نفسه بأنه يحمل العديد من الإنجازات، لعل ما يتعلق بالشرق الأوسط منها سحبه للقوات من سورية، واغتياله لسليماني، والبغدادي.

وبالنسبة لتركيا وعلاقاتها مع الديمقراطيين، فإن الواضح أن التعامل بين أردوغان، وترمب قد وصل إلى درجات مقبولة من التفاهم والتواصل أفضل من أي بديل مطروح حالياً.

من المنتظر أن تستمر تركيا في ممارسة نفس السياسة في سورية في العام 2020م لكن بتوقعات أقل، في ظل نية روسيا ونظام الأسد السيطرة على إدلب تدريجياً، ستعمل تركيا غالباً على منع حدوث أزمة إنسانية جديدة في إدلب، وستحاول التوصل لذلك مع الأطراف المعنية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي الذي يركز اهتمامه على قضية اللاجئين.

على الأغلب سيكون شرق المتوسط وليبيا هو العمل الرئيس لجهاز السياسة الخارجية في تركيا من مناورات دبلوماسية وعسكرية ومع أطراف أكثر عدداً، وبقناعة أنه بدون القوة العسكرية في الميدان، فإن المناورات الدبلوماسية لن تجدي كثيراً.

من ناحية أخرى، تواجه تركيا في العام 2020م قضية خطيرة؛ وهي احتمالات انهيار الاستقرار على حدودها الجنوبية مع العراق بعد اندلاع المظاهرات واستقالة الحكومة وأخيراً اغتيال سليماني وقادة الحشد الشعبي، ومطالبة البرلمان العراقي بخروج القوات الأمريكية، وهو أمر قد يسهل من عودة “داعش”، ومن منح حزب العمال الكردستاني هوامش حركة أكبر.

ما زال هناك وقت على الانتخابات التركية القادمة، وعلى الأغلب سوف يكون حزب العدالة والتنمية مرتاحاً داخلياً ما لم تقم المعارضة التركية باللجوء لاستقطابات بمعارضتها لمشاريع الحكومة التركية، وهذه سوف يتعامل معها الحزب بمرونة على الأرجح، ولكن السياسة الخارجية لتركيا ستبقى منهمكة في المناطق المحيطة بتركيا في ظل انقضاض روسيا على كل فراغات المنطقة، وفي ظل التوتر الأمريكي الإيراني في الخليج والسعي “الإسرائيلي” لاستغلاله، وعدم الاستقرار المستمر من ليبيا إلى سورية والعراق.

Exit mobile version