لا كمال لعقل الملحد!

ما قيمة الإنسان عند الملاحدة يا ترى؟

سؤال مهم ودقيق حقيقة.. ما قيمة الإنسان الذي من خلال عقله وخياله يتعدى الكرة الأرضية ويخترق الفضاء والأجواء والسماوات ما استطاع؟

نعم.. خيال وعقل الإنسان شيء جبار يفوق كل ما يخطر في وعلى البال، وهو أعظم ما في الإنسان –العقل- إلا أن هناك من يحجّم عقله في حدود الدنيا وهو محسوب على عقلاء البشر، فيرون هذا الإنسان وعقله لا يختلف عن أي مخلوق نهايته تراب سخره الله للبشر العاقل الذي هداه النجدين!

قبل أن أدخل في تفاصيل الموضوع، أذكر الحوار الذي دار بين سيدنا عمر رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم.

حينما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن القبر وسؤال منكر ونكير فيه، وسأل الله لهم الثبات، قال سيدنا عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، ويكون عقلي معي مثلما الآن؟ قال نعم، قال: أكفيكهما، أو كما قال ودار بينهما، والحديث يرتقي إلى الحسن.

نعم أيها القارئ الكريم، فسيدنا عمر اختزل العقل الدنيوي للآخرة، وأدرك أن مساحة العقل أكبر من مساحة الدنيا، وإلا لما حوسب الإنسان، وعلم أن العقل هو المسؤول دنيا وآخرة، وهو المنجي بعد الحياة، ومن عقلانية العقل يستشعر أنه مخلوق ناقص؛ ويسعى للكمال لسد النقص باللجوء إلى خالق العقل وكسب المعارف للوصول إلى الأرقى، وغير ذلك يكون المدمر –العقل- حتى يتمنى أنه ما كان إنساناً في يوم من الأيام في الحياة الدنيا (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً {40} (النبأ).

عقل الإنسان ما وجد كما هي عقول المخلوقات الأخرى لحدود الدنيا فقط، يا أيها الإنسان الراقي.

الملحد لا يفكر إلا في ثلاثة أمور؛ الأول: لا همَّ له إلا شهوة البطن، والثاني: شهوة الفرج، وهاتان يتفق فيهما مع كل ما خلق الله من خلق غير الإنسان، أما الثالثة: فينفرد بها ولا يتفق معه مخلوق ممن خلق الله تعالى، أن يجعل كل من حوله ملاحدة مثله؛ (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (البقرة: 109)، وقال تعالى: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) (النساء: 89)، ومع ذلك يدعي العلم والعقل كذباً وبهتاناً.

نعم.. إن عقول الملاحدة محدودة الإنسانية لا المطلقة إنسانياً حياة وما بعد الحياة بالنسبة لهذا الإنسان المخلوق أصلاً ليعبد الله الذي أوجده، لذلك ينظرون إلى الإنسان كما المخلوقات الأخرى اللاإنسانية؛ فلذلك.. يوم الحسرة والحيرة يقول هذا الإنسان حينما يرى أن الحيوان أكرم منه يقول: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً)؛ أي يتمنى هذا الملحد أنه لم ولن يُخلق إنساناً في الماضي الدنيوي لشعوره أن الحيوان حينها أكرم منه، وقد أدى وظيفته الدنيوية التي نهايتها يعود هذا المخلوق إلى التراب وينتهي الأمر.

نعم.. في ذلك الموقف يعلم الملحد أن الحيوان الذي سخره الله له في الدنيا، اليوم أكرم منه، ويتمنى أنه من جنسه!

ما جعلني أكتب هذه السطور؛ ما سمعته من بعض الملاحدة وهم يتدثرون العلمانية والليبرالية، والعلمانية بالذات حاوية كل أنواع الملاحدة والكفر بالله، وبكل اِلأشكال المباشرة والتمويهية والضمنية كفراً! حيث يتشدق أحدهم قائلاً: لا آخرة ولا حساب ولا عقاب ولا جنة ولا نار! ومن ثم نفي واجد الوجود، والغريب أننا نفاجأ أن هناك من يؤيد هذا الملحد ممن هم من أهل التأويل الباطني، رغم ادعائهم اعترافاً بالخالق والبعث والنشور! وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن العلمانية هي عباءة كل ملحد وباطني منافق يتدثرها تمويهاً لطبيعة قابليتها ومرونتها مع كل الأهواء المنحرفة.

حينما نحترم عقل الإنسان ونضعه في مكانه المناسب سنجده أعلى وأرقى من الحياة الدنيا الجسدية وزمن حياة الجسد القصيرة جداً قياساً لعمل العقول وإبداعاتها على مر الزمن، وحينها لا نجد مكافأة لهذا العقل توازيه مقابلة له إيجاباً إلا في نعيم رضا الله تعالى، وسلباً في حال الجحود، وهذا أتانا نصاً واعتقاداً ونقلاً؛ حيث الخلود في الآخرة، والخلود فوق مستوى العقل المخلوق.. نعم إن الله تعالى يحاسب الإنسان من خلال عقل لا من لا من خلال جسد فقط، ولنا بقوله تعالى عميق التأمل: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3}) (القدر)، فيها لفتة باختزال الزمن الطويل حيث يعقله ويتحكم العقل بكسبه السريع ما بعد حياة الجسد في الدنيا.

نعم.. عقله الذي بنى ناطحات السحاب، هذا هو وزن العقاب والثواب بوزن هذه الناطحات، عقله الذي اخترق الأجواء وصولاً إلى القمر والمريخ وأكثر، عقله الذي اخترق الجبال فكان أثقل منها وزناً وأعظم قمة.. نعم فهذا العقل وضخامة إنجازه هو جدير بحياة تناسبه إن كان شريفاً راقياً خاضعاً لخالقه، فكانت له السعادة عقلاً وجسداً ووجداناً وخلوداً، والعكس صحيح؛ ومن ثم يقول: يا ليتني كنت تراباً!

Exit mobile version