محمد بن جرير الطبري

محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، الإمام الجليل، المجتهد المطلق، أبو جعفر الطبري، رحمه الله تعالى.

من أهل «آمل» طبرستان، أحد أئمة الدنيا، علماً وديناً.

ومولده سنة أربع، أو خمس وعشرين ومائتين.

طوّف الأقاليم في طلب العلم.

وسمع من محمد بن عبدالملك بن أبي الشّوارب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإسماعيل بن موسى الفزاري..

روى عنه أبو شُعيب الحرّاني، وهو أكبر منه سناً وسَنداً، ومَخْلَد الباقَرَحِيّ، والطبرانيّ..

وقرأ القرآن على سليمان بن عبدالرحمن الطّلْحِيّ، صاحب خَلّاد.

ومن تصانيفه «كتاب التفسير»، و»كتاب التاريخ»، و»كتاب القراءات والعدد والتنزيل»، و»كتاب اختلاف العلماء»، و»تاريخ الرجال من الصحابة والتابعين»، و»كتاب أحكام شرائع الإسلام» ألّفه على ما أدّاه إليه اجتهاده، و»كتاب الخفيف» وهو مختصر في الفقه، و»كتاب التبصير في أصول الدين».

وابتدأ تصنيف «كتاب تهذيب الآثار» وهو من عجائب كتبه، ابتدأ بما رواه أبوبكر الصدِّيق رضي الله عنه، كما صح عنه بسنده، وتكلم على كل حديث منه بعِلله، وطُرُقه، وما فيه من الفقه والسُّنن، واختلاف العلماء، وحُجَجِهم، وما فيه من المعاني والغَريب، فتمَّ منه مُسنَد العشرة، وأهل البيت، والموالي، ومن مسنَد ابن عباس قطعةٌ كثيرة، ومات قبل تمامه.

وابتدأ بـ»كتاب البسيط» فخرج منه «كتاب الطهارة» في نحو ألف وخمسمائة ورقة، وخرج منه أكثر «كتاب الصلاة»، وخرج منه «آداب الحكام» و»كتاب المحاضر والسجلات».. وغير ذلك.

قال الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدٌ من أهل عصره، فكان حافظاً لكتاب الله، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسُّنَن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والمتابعين، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في «تاريخ الأمم والملوك»، و»كتاب التفسير» لم يُصنِّف أحد مثله، وكتاب سماه «تهذيب الآثار» لم أرَ سِواه في معناه، إلا أنه لم يُتِمَّه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة.

قال: وسمعت علي بن عبدالله بن عبدالغفار اللُّغَوي، المعروف بالسِّمسِمانيّ، يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.

وذُكر أن أبا العباس ابن سُرَيج كان يقول: محمد بن جرير الطَّبري فقيه العالَم.

ورُوي أن أبا جعفر قال لأصحابه: أتنْشَطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة.

ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم، من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدرُه؟ فذكر نحواً مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك فقال: إنا لله، ماتت الهِمَم، فاختصره في نحو ما اختصر التفسير.

قال الفَرْغاني: كان محمد بن جرير ممن لا تأخذُه في الله لومةُ لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشَّناعات، من جاهل، وحاسد، ومُلحِد..

وقال ابن كامل: توفي عَشِية الأحد، ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة، ودفن في داره برَحْبة يعقوب، ولم يغير شيبه، وكان السواد في رأسه ولحيته كثيراً، وكان أسمر إلى الأدْمة، أعْيَن، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيحاً؛ واجتمع عليه مَن لا يُحصِيه إلا الله تعالى، وصُلِّي على قبره عدة شهور، ليلاً ونهاراً، ورثاه خلق كثير من أهل الدِّين والأدب.

ومن ذلك قول أبي سعيد الأعرابي: حَدَثٌ مُفْظِعٌ وحَطْبٌ جليلُ دَقَّ عن مثله اصْطِبارُ الصَّبورِ قام ناعي العلوم أجمعَ لمَّا قام ناعِي محمدِ بن جريرِ(1).

العبر والفوائد:

– تحصيل العلم يكون بالبذل والتضحية والتحمل والتنقل عبر العالم.

– مفتاح العلوم السماع من الرجال الأفذاذ من أهل العلم والتخصص والإتقان.

– بداية العلوم القرآن العظيم.

– السمة الموسوعية الباهرة لكثير من علمائنا التي تستدعي الدراسة والتأمل والإفادة، والإمام الطبري مثال على ذلك.

– العمل بطريقة الفرق لتوزيع العمل والإنجاز تميز في إدارة العمل.

– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب سمة من سمات علمائنا الأجلاّء.

– التحفير وإثارة الهمم من صفات العلماء الربانيين.

والحمد لله رب العالمين.

 

ــــــــــــــــــــــــ

الهامش:

(1) عبدالوهاب بن علي السبكي- طبقات الشافعية الكبري، ج3، تحقيق: محمود محمد الطناحي، عبدالفتاح محمد الحلو.

 

(*) إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت.

Exit mobile version