هل سنكون أمام انتخابات تشريعية مبكرة في تونس؟

أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات النتائج النهائية للانتخابات التونسية التي تصدرت بها حركة النهضة الإسلامية عدد المقاعد بحصولها على 52 مقعداً من أصل 217 مقعداً العدد الكلي للمجلس التشريعي التونسي، فيما حل حزب قلب تونس العلماني المنشق عن حزب نداء تونس المرتبة الثانية بحصوله على 38 مقعداً، لكن هل ستستطيع النهضة تشكيل حكومة ائتلافية؟ أم أننا سنكون أمام خيار الذهاب للانتخابات التشريعية المبكرة.

(1) أيديولوجيا القوائم الانتخابية:

– حركة النهضة الحاصلة على 52 مقعداً: حركة إسلامية سياسية تؤمن بالإسلام الديمقراطي وكانت منذ تأسيسها فرعاً للإخوان المسلمين في تونس، إلا أنها قامت بإجراء مراجعات فكرية وقادت من داخلها تحولات فكرية كبيرة.

– حزب قلب تونس الحاصل على 38 مقعداً: حزب علماني حديث التأسيس عمره أقل من خمسة شهور وهو حزب منشق عن حزب نداء تونس أسسه نبيل القروي، رجل الأعمال والمرشح الرئاسي الخاسر في الجولة الثانية والملاحق بقضايا فساد وغسيل أموال.

– قائمة التيار الديمقراطي والحاصلة على 22 مقعداً: وهو حزب يساري تأسس في عام 2013م بقيادة محمد عبو، وزير الإصلاح الإداري في حكومة الترويكا التي كانت تقودها النهضة، الحزب يساري التوجه وأمينه العام هو الأمين العام السابق لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي قبل أن يندمج الحزب الأخير في حزب “حراك تونس من أجل الإرادة” الذي أسسه أيضاً المنصف المرزوقي.

– قائمة ائتلاف الكرامة والحاصل على 21 مقعداً: تحالف انتخابي وليس حزباً سياسياً، وهو تحالف يتشكل من ثلاثة أحزاب حزبان إسلاميان وحزب يساري تابع للمنصف المرزوقي وخليط من الشخصيات الإسلامية واليسارية المعتدلة.

– قائمة الحزب الدستوري الحر والحاصل على 17 مقعداً: وهو حزب سياسي تم تأسيسه في عام 2013م وهو حزب يمثل بقايا نظام بن علي ويعبرون عن ذلك التوجه بشكل واضح وصريح.

– قائمة حركة الشعب الحاصلة على 16 مقعداً: وهي قائمة تابعة لحزب حركة الشعب ذي التوجه الناصري المؤمنين بالوحدة العربية والمد القومي العروبي، وتضم القائمة أيضاً خليطاً من أصحاب التوجه الديني المحافظ أيضاً.

– قائمة حركة تحيا تونس الحاصلة على 14 مقعداً: حزب تحيا تونس حزب علماني يقوده الشاهد، رئيس الحكومة السابق، المنشق عن حزب نداء تونس بعد خلافه مع الحافظ السبسي نجل الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي، وتربطه علاقة تحالف سياسي جيدة مع حركة النهضة التي دعمت حكومته بعد خلافه مع نداء تونس، وكان يتوقع دعم النهضة له في الانتخابات الرئاسية قبل أن تعلن خوضها للانتخابات الرئاسية بترشيحها للشيخ عبدالفتاح مورو.

– قائمة حركة مشروع تونس والحاصلة على 4 مقاعد: وهو حزب علماني منشق عن حزب نداء تونس الذي حكم تونس في 2014م.

– قوائم أخرى مختلفة والحاصلة على 33 مقعداً: أبرزها حزب الاتحاد الشعبي، وهو حزب قومي يساري يخاصم حركة النهضة وحزب البديل التونسي، الذي يضم طبقة رجال الأعمال وقوائم مستقلين من مختلف الاتجاهات الفكرية يسارية وإسلامية ومستقلة.

(2) فرصة النهضة في تشكيل حكومة ائتلافية:

تدرك حركة النهضة أن البرلمان الذي جاء هو برلمان معلق بالمعنى السياسي، وأن النهضة ستكون عاجزة عن تشكيل الحكومة بمفردها بعيداً عن التحالفات السياسية الأخرى، إذ إنها تحتاج إلى 109 مقاعد داخل البرلمان لتستطيع تشكيل حكومة، وهذا يتطلب منها عقد تحالفات سياسية مع مجموعة من الأحزاب تملك 57 مقعداً.

تعلم حركة النهضة أنها ستدخل مفاوضات تشكيل الحكومة الائتلافية وهي تقطع علاقتها السياسية مع ثلاث كتل برلمانية تمتلك 58 مقعداً برلمانياً، أولها حزب قلب تونس الذي يملك 38 مقعداً، حيث بدا واضحاً من تصريحات نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس، الخارج من السجن الذي باشر حملته في الجولة الرئاسية الثانية بالهجوم على حركة النهضة، واتهام قيس سعيد بأنه يمثل حركة النهضة، هذا الهجوم قابله الشيخ راشد الغنوشي في أول مقابلة تلفزيونية له بعد الانتخابات بأن تصريحات قلب تونس ليست مبشرة، موضحاً أنه لم يتلق أي اتصال للتهنئة من رئيس قلب تونس بفوز حزبه بأعلى المقاعد، كما فعل هو مع الباجي السبسي في انتخابات 2014م.

حزب النهضة أعلن مبكراً أن برنامجه القادم سيقوم على محاربة الفساد ونشر الشفافية ومكاشفة الشعب، في حين أن حزب قلب تونس تدور حوله شبهات كبيرة بتورط نبيل القروي، الأمين العام للحزب، بقضايا فساد وغسيل أموال، وثاني الكتل التي تقاطعها نهضة تونس الحزب الدستوري والحاصل على 17 مقعداً، وهو حزب يمثل بقايا نظام بن علي الذي يعادي حركة النهضة ويقف ضدها، وهناك صراع تاريخي كبير بين النهضة ونظام بن علي، وثالثها حزب الاتحاد الشعبي اليساري المتطرف الذي يكنّ العداء الكبير لحركة النهضة ويملك ثلاثة مقاعد فقط.

فيما يبدو أن أقرب الأحزاب للتحالف مع النهضة التي تمتلك 61 مقعداً حزب التيار الديمقراطي بقيادة محمد عبو 22 مقعداً، وائتلاف الكرامة الداعم للمنصف المرزوقي 21 مقعداً، وتحيا تونس 14 مقعداً حليف النهضة في الحكومة السابقة، ومشروع تونس 4 مقاعد، يبدو أن هذه الأحزاب ستكون النقطة التي ستنطلق منها النهضة في مفاوضاتها في تشكيل الحكومة، وستعتمد النهضة على نسبة كل حزب في البرلمان في تقاسم الحقائب الوزارية، إلا أن النهضة تدرك أن البرلمانات المعلقة تجعل المفاوضات عسيرة في تشكيل الحكومة خاصة مع تباين أيديولوجي واضح.

في ذات الوقت حركة النهضة لا تخشى الانتخابات المبكرة فيما لو فشلت في تشكيل الحكومة الائتلافية، إذ إن الذهاب للانتخابات المبكرة سيجعل حزب قلب تونس هو الخاسر الأكبر خاصة بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية بفارق كبير، والفضيحة الجنسية التي طالت أحد مرشحيه الناجحين في البرلمان، وشبه الفساد التي بدأت تحيط بنبيل القروي أكثر فأكثر، إضافة إلى برنامج الخطاب الثوري الذي أعلنت عنه النهضة في مكافحة الفساد ونشر الشفافية ومكاشفة الشعب ومصارحته بعد الرسالة التي بعثها الشعب بانتخاب قيس سعيد، باستعادة الخط الثوري، إضافة إلى أن الشعوب عادة تنزع إلى استقرار الحياة السياسية في الانتخابات المبكرة وتنحاز إلى الأحزاب الأكبر لتسهيل مهمتها في استقرار النظام السياسي، كما حصل في تركيا في آخر انتخابات عندما جرت الانتخابات المبكرة، مع التأكيد أن حركة النهضة سوف تعتمد على استطلاعات الرأي من المراكز الموثوقة قبل أن تحسم قراراها في الذهاب للانتخابات المبكرة.

(3) النهضة والرئيس المنتخب قيس سعيد:

خاضت حركة النهضة الانتخابات الرئاسية لأسباب داخلية أكثر منها أسباب خارجية، كما أن خسارتها للانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى أثر على فرص النهضة في الانتخابات التشريعية، إلا أنها وجدت نفسها في الجولة الثانية أمام خيار واضح ووحيد في دعم المرشح قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري القادم من حالة العدم السياسي.

وجود قيس سعيد في قصر قرطاج سوف يدعم برنامج النهضة فيما لو استطاعت تشكيل حكومة ائتلافية، وخاصة في موضوع ترسيخ الديمقراطية ودولة القانون ومكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية، كما أن وجوده سوف يعزز دور النهضة في العلاقات الخارجية وخصوصاً تعميق العلاقة مع الجزائر والتدخل الإيجابي في الشأن الليبي لإنهاء الصراع الذي يجلب الاستقرار للمنطقة، كما أن موقف النهضة يتطابق تماماً مع موقف قيس سعيد من القضية الفلسطينية.

تدرك حركة النهضة أن التصريحات الانتخابية ما قبل الوصول للسلطة مختلفة عن التصريحات ما بعد الوصول للسلطة والاطلاع على المعلومات من أجهزة الدولة ومؤسساتها، وخاصة مع مرشح لم يكن له أي تاريخ سياسي، ولم يكن جزء من السلطة في أي مرحلة من مراحل حياته، لذلك تعلم النهضة بأن أستاذ القانون الدستوري سوف تكون مواقفه في العلاقات الخارجية العربية والدولية أكثر رشداً عندما يجلس على كرسي الرئاسة في قرطاج ويطلع على كافة المعلومات.

لم يتضح حتى الآن موقف حركة النهضة من مشروع اللامركزية في الحكم الذاتي وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في حكم نفسه بعيداً عن الحكومة المركزية الذي يحمله الرئيس قيس سعيد، كما أن النهضة سوف تدعم مشروع الفصل بين العمل الخيري والعمل السياسي هذا القانون الذي تم سنه على زمن الرئيس الراحل الباجي القائد السبسي لمنع تأثير العمل الخيري على منتجات العمل السياسي كما حصل في حزب قلب تونس في الانتخابات الأخيرة والذي استغل حاجة كبار السن وأهل العوز ليدخل انتخابات الجولة الرئاسية الثانية ويحصل حزبه على الكتلة الثانية في عدد المقاعد البرلمانية.

من المرجح أن النهضة سوف تدخل في حالة خلاف مع الرئيس قيس سعيد فيما يتعلق بطرحه التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، أو توسيع صلاحيات الرئيس على حساب الصلاحيات الممنوحة للحكومة البرلمانية، فحركة النهضة أظهرت موقف رافض من أصحاب التوجهات الرئاسية في الحكم، فهي تميل وتؤمن بأن الحكومات البرلمانية هي الأنسب للديمقراطية التونسية كما أن تونس قريبة العهد بحالة الاستبداد السياسي وتخشى من عودة الاستبداد على صهوة الحكم الفردي أو حكم الشخص الواحد.

أياً تكن نقاط الخلاف بين برنامج الرئيس قيس سعيد وحركة النهضة، إلا أنهم يجمعهم الإخلاص للخط الثوري وبناء تونس الجديدة الدولة الحديثة ودولة القانون والمؤسسات وما يجمعهم أكثر بكثير مما يختلفون عليه.

Exit mobile version