الاحتقان التنموي

يعاني الناس من احتقان تنموي في مختلف المجالات؛ الصحية والتعليمية والخدماتية بشكل عام، ولا يلامون وهم يرون التنمية تسبقهم في بلدان كانت الكويت سبباً في وجودها وتنميتها، ولا يتداولون ذلك من باب الترف الفكري، بقدر ما هو من باب الحرقة على هذا الوطن المعطاء، فالكويت لا تستحق هذا الإهمال والتقصير من البعض؛ مسؤولين وأفراداً ومواطنين ومستهلكين للخدمة، ولا ما يقوم به البعض في التركيز على جانب واحد من التنمية، وهو تنمية جيوبهم، فالكويت أعطتهم الكثير الكثير، فهلا أعطوها اليسير اليسير!

ومما يزيد الناس ضجراً، تضخيم صغار الأعمال، واعتبارها من الإنجازات التي طالما انتظرها الناس، فتقام الاحتفالات والحملات الإعلامية لمشاريع أقل من مستوى مفتتحيها، فيصاب الناس بالإحباط، خصوصاً عندما نرى اجتهادات الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي في ربط صورة إنجاز «مضخم»، مقابل إنجازات ضخمة فعلاً في دول أخرى.

وأثقل ما في هذه الإنجازات تصريحات المدير، عندما يشكر كل مسؤوليه، فيقول: ولم يتحقق هذا الإنجاز إلا بتوجيهات الوزير فلان، ودعم الوكيل فلان، وإسناد الوكيل المساعد فلان، ومتابعة المدير العام فلان، وهكذا، حتى يكاد يأخذ ذلك نصف مساحة التصريح!

وقد يكون الوزير حديث عهد بالوزارة، ولا يعلم شيئاً عن الإنجاز الذي صار لهم سنتين يعملون به، فمن أين جاءت توجيهاته؟!

ويبالغ البعض بالثناء فيقول: «سيدي» معالي الوزير، وكلمة سيدي تقال عند العسكر فقط، فلِمَ هذا التزلف؟!

طيب، لو الوزير أو الوكيل لم يوجهك، ألن تقوم بدورك ووظيفتك ومهامك؟ ألن يتحقق هذا الإنجاز؟ ألن تنظم السير؟ ألن تغلق محلات الأطعمة الفاسدة؟ ألن تمنع المهربين؟ ألن.. ألن..؟!

لست مبالغاً إذا قلت: إن معظم المشاريع المنجزة إنما جاءت بتوجيهات مباشرة من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، وإلا لما رأينا الجسور الكبيرة ومركز جابر الثقافي، ومستشفى جابر الأحمد، ومركز صباح الأحمد، ومركز عبدالله السالم الثقافي، وغيرها من الإنجازات الكبرى.

نعم، ليس من المناسب أن تتباهى أيها المسؤول بدورك العملي، ويحق لك أن تتباهى بدورك الإبداعي، ولا ينبغي أن تنسب الإنجاز لغير أهله، فالموظفون الشباب الذين تابعوا وعملوا هم أولى بالشكر والثناء.

ومن هنا، أدعو المسؤولين إلى تخفيف حفلات الافتتاح لكل شاردة وواردة؛ شارع، طيارة، مكتب خدمات، تنظيف العباسية.. وغيرها، لأن هذه مرحلة تجاوزناها، ونحتاج إلى قفزة وتميز في الإنجازات، نريد إنجازاً يتحدث عن نفسه، لا يتحدث عنه المسؤول، ونريد مشروعاً يفرح به المواطنون، لا التجار وحدهم يفرحون!

وأخيراً.. لنهتم بالتعليم قليلاً، أساس كل الوزارات والشركات، فمن التعليم تنطلق فرص الإبداع والتميز، ومن التعليم تتفتح الآفاق، ولن يكون ذلك إلا بالاهتمام بالمعلم والمناهج والإدارة، وفي الفم ماء.

 

_____________________________

يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.

Exit mobile version