البر بالأب البخيل

 

لا يعد البر بالوالدين أو والديهما منة، بل إنه واجب شرعي أخلاقي اجتماعي، التقت عليه جميع الأديان والأعراف والمجتمعات، لذلك تجد البركة فيمن يبر والديه حتى لو كان قليل الفكر والثقافة والدين.

ومن اللفتات الجميلة في بر الوالدين أن أقام رجل حفل زفاف ابنه في مركز التلطيف الذي يقيم فيه الجد وألبسوه البشت، وأحضروا له فرقة عرضة، وعقدوا الزواج في المركز، فأسعدوا الجد وأسعدوا المقيمين في المركز، فهم هنا اهتموا بوالدهم قبل أن يهتموا بالناس.

ويزيد الأمر إحساناً عندما يكون الأبناء متضررين من أبيهم، أو أن أباهم كان مقصراً معهم، فيقابلون الإساءة بالإحسان، كيف لا وهو والدهم.

وقد لفت نظري بر بعض الأبناء بآبائهم البخلاء، والبخل آفة ذميمة في الشرائع والمجتمعات، ووصف بعض الأقوام والأعراق تاريخياً بالبخل، وكتب الجاحظ فيهم كتاباً لنوادرهم أسماه «البخلاء»، كما أن هناك فرقاً بين البخل والحرص، فالأول مذموم، والثاني محمود إن لم يبالغ.

وهناك البخل والشح، فالأول يبخل على الآخرين، ويعيش صراعاً بين البخل والحرص، والثاني يبخل على نفسه وعلى الآخرين، وهذا لا علاج له سوى هداية الله أو التراب!

والبخيل لا يشعر بأنه بخيل، لأنه يمارس البخل بشكل طبيعي منذ صغره، لأسباب نفسية واجتماعية، إما بسبب الفقر أو الحرمان في فترة ما أو غير ذلك، كما أن البخل درجات، حتى إن بعض البخلاء ينتقدون من هم أشد بخلاً منهم!

ومن نماذج بر الأبناء بالأب البخيل أو الحريص المغالي، أنهم يشترون أشياء غالية لوالدهم (ساعة، قلماً.. إلخ)، ويدفع الأب ربع السعر، ويدعون أنهم حصلوا على خصم خاص، وأحياناً يدفعون كل الفاتورة.

أو يحجزون لوالدهم عند السفر على درجة رجال الأعمال، وفنادق فخمة، ولأنه لا يقبل الدفع المرتفع حتى لو كان من أبنائه، فإنهم يقولون له: إنهم حصلوا على عرض خاص من السفريات، وهم يدفعون الفرق، أما عند الولائم، فإنهم يقومون بكل شيء، سواء من بيوتهم أو مطاعم فاخرة، ويزعمون أنهم حصلوا على أسعار مخفضة، أو أن كل واحد ساهم بشيء ما، كما يشترون له بعض الألبسة والأحذية الراقية ليلبسها عند زياراته ولقاءاته، وغيرها من الممارسات بهدف إسعاد والدهم، وليس تجملاً أمام الآخرين، وتعويضه سنوات الحرمان التي عاشها في طفولته قسراً، وفي شبابه خوفاً، وغالباً سيغير ذلك من سلوك الأب البخيل إيجابياً مع الوقت عندما يعيش الأمن المالي والأمان النفسي والاجتماعي، فنعم البر ذاك.

وفي المقابل، رأيت أبناء لا يهتمون بوالدهم، ويعتبرون أن البخل اختياره، وليس لديهم أي استعداد لأن يدفعوا له من جيوبهم.

تقول إحدى النساء: كدنا ندعو على والدنا بعد وفاته، عندما اكتشفنا أنه يمتلك أموالاً طائلة، فقد ذقنا المر ببخله، وبالأخص أمنا المسكينة التي كانت تطبخ وتنفخ، ثم عندما تزوجنا وأثقلت كاهلنا الديون بسبب صعوبة الحياة، لم يمد يد العون لأحد أبداً!

قد يعذر الفقير بالبخل أو الحرص، لكن الغني ومتوسط الحال لا يعذر، فهو يعيش حياته محروماً هو وأسرته، ويستدعي الأعذار الواهية لعدم الإنفاق (إسراف، توفير، عدم قناعة.. إلخ)، ليكون «حارساً» على المال، ينتظر الناس وفاته.

اللهم إني أعوذ بك من البخل والشح والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال.

 

____________________________

يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.

 

Exit mobile version