العقول والأموال العربية المهاجرة

 

العالم العربي يساهم بـ31% من الكفاءات والعقول التي تهاجر من البلدان النامية نحو الأقطار الغربية 

50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء العرب يفضلون الهجرة على البقاء في بلدان المنشأ 

الأموال الخليجية المهاجرة نحو 1400 مليار دولار منها 750 ملياراً تخص السعودية وحدها 

يجب السعي لعودة العقول والأموال العربية المهاجرة بإزالة الأسباب التي حالت دون استثمارها داخل أوطانها

 

 

يعد عنصر العمل من أهم عناصر الإنتاج؛ فهو صاحب القدرة على الاستفادة من الموارد الطبيعية، ورأس المال لتوليد السلع والخدمات، وبغير عنصر العمل تبقى عناصر الإنتاج الأخرى مهملة، لا حياة فيها، ولا أهمية لها.
وقد حبا الله سبحانه دولنا العربية بموارد اقتصادية لا حصر لها، ورأسمال لا حدود له، وقوى عاملة تملك من المهارة ما لا تجده في غيرها، ومع ذلك نجد أن العقول المهاجرة ورأس المال المهاجر أصبح ظاهرة مرئية، ولطالما طالب العديد من الوطنيين بعودة العقول والأموال العربية المهاجرة إلى موطنها الأصلي للتعمير والبناء.
لو بدأنا بالعقول المهاجرة، لوجدنا أن هذا الموضوع بالغ الأهمية؛ لقدرة هذه العقول على تطوير البلاد العربية في كافة المجالات، لا سيما وهم عنصر بناء في الحضارة الغربية في ظل وقوف دولنا العربية في صفوف الدول النامية.
وتشير بعض التقارير الصادرة عن «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، وجامعة الدول العربية، إلى أن أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي يعملون في الدول المتقدمة، من بينهم 450 ألفاً من حملة الشهادات العليا المشتغلين في أمريكا وأوروبا، وأن العالم العربي يساهم بنحو 31% من مجموع الكفاءات والعقول التي تهاجر من البلدان النامية نحو الأقطار الغربية، كما أن نحو 50% من الأطباء، و23% من المهندسين، و15% من العلماء العرب، يفضلون الهجرة على البقاء في بلدان المنشأ العربية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا تستقطب نسبة 75% من العقول العربية الإبداعية المهاجرة.
وفي السياق ذاته، يشير تقرير صادر عن «أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا» بمصر، في يوليو 2015م، إلى أن أكثر من 450 ألف مصري من أصحاب الشهادات العليا اتجهوا قِبلة الغرب خلال الخمسين سنة المنقضية، وأصبح 600 من بين هؤلاء المبدعين المصريين المهاجرين من أبرز العلماء المتألقين بالغرب في اختصاصات دقيقة ونادرة من قبيل علم الفضاء، والنانو تكنولوجيا، وعلوم البحار، والهندسة المعمارية الصديقة للبيئة.
وشهدت مصر بعد ثورة يناير 2011م عودة لبعض العقول المهاجرة لبناء الوطن، ولكنْ وصلت تلك العقول لطريق مسدود بعد الانقلاب العسكري، وعادت أدراجها، ولا يختلف الوضع كثيراً في الدول العربية الأخرى، لا سيما دول الخليج العربي التي تتميز بتوافر رأس المال، وكانت هي الأَوْلى بتوطين تلك العقول المهاجرة، ومنح الجنسية لها، والاستفادة منها، للانتقال من عالم الدول النامية إلى رحاب الدول المتقدمة.
إن العقول العربية المهاجرة ما تركت ديارها إلا لافتقادها للحرية والبيئة العلمية الصالحة، وما يرتبط بذلك من مراكز البحث والحاضنات العلمية، والحراك الوظيفي دون تمييز ملحوظ.
الأموال المهاجرة
وإذا انتقلنا للأموال العربية المهاجرة، فبرغم عدم وجود أرقام دقيقة ومحددة لحجمها وتباين التقديرات الخاصة بها، بسبب تعدد أشكال ومناطق الاستثمارات العربية، إضافة إلى السرية الكاملة التي تحيط بكثير من الحسابات المصرفية الخاصة، فإن معظم الدراسات المالية والاقتصادية تقدر حجم تلك الأموال بما يتراوح ما بين 800 مليار دولار إلى نحو 3 تريليونات دولار!
فقد قدرت «الأمانة العامة لاتحاد المصارف العربية» حجم الأموال العربية المهاجرة للخارج بما يتراوح ما بين 600 – 880 مليار دولار، بينما قدرت «منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية» (اليونيدو) حجم تلك الأموال بنحو 800 مليار، وقدرتها «المؤسسة العربية لضمان الاستثمار» بنحو 1.4 تريليون دولار، ووفقاً لتقرير تطورات المعرفة والتكامل الاقتصادي لدول «إسكوا» لعام 2003م، فإن حجم تلك الأموال يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار، وقدرت «الأمانة العامة لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية» الأموال العربية المهاجرة بنحو 2.4 تريليون دولار، بينما قدرت دراسة اقتصادية أجراها «مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية» حجم تلك الأموال بنحو 2.8 تريليون دولار، وذكر تقرير صادر عن «مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية» أن إجمالي الأموال الخليجية المهاجرة نحو 1400 مليار دولار، منها 750 ملياراً تخص السعودية وحدها.
وقد ارتبطت الأموال العربية المهاجرة للأسواق الأمريكية والأوروبية بالطفرة النفطية التي ترتبت على حرب أكتوبر 1973م، وما نتج عنها من فوائض مالية ضخمة لدى الحكومات والأشخاص، خاصة في دول الخليج، حيث أخذ النصيب الأكبر من هذه الأموال طريقه للهجرة إلى خارج البلاد العربية، وذلك لاعتبارات ترتبط تارة بأصحاب الأموال (المستثمرين) ببحثهم عن فرص استثمارية تحقق لهم المواءمة بين الربحية والسيولة والأمان من المخاطر، وتارة أخرى بمناخ الاستثمار في الدول العربية الذي يعتريه العديد من المخاطر السياسية والاقتصادية، ويعاني من القيود والروتين والتعقيدات الإدارية، وغياب الشفافية والإفصاح والثقة وسيادة القانون.
وكل هذا يحتم أهمية السعي لعودة العقول والأموال العربية المهاجرة، وذلك بإزالة الأسباب التي حالت دون استثمار تلك العقول وهذه الأموال بالداخل وأدت إلى هجرتها للخارج، من خلال توفير بنية علمية سليمة، وإيلاء أولوية للبحث العلمي وحاضناته، وتوفير بنية سياسية صالحة وقوية ومنظمة تتحاكم إلى المؤسسات، وينعم فيها الفرد بالحرية والديمقراطية، وتوفير بنية اقتصادية أساسية قوية تدعم الاستقرار الاقتصادي، وتعمل على تحفيز الاستثمار، وتوفر أوعية استثمارية تلبي للمستثمر العربي رغبته في المواءمة بين الربحية والسيولة والأمان من المخاطر، وكذلك توفير بنية أساسية قوية للجوانب الإدارية والتشريعية والتنظيمية تزول معها البيروقراطية والفساد والرشوة، وتتسم بالعدالة.

خواطر اقتصادية من الهدي النبوي
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، إني أشترى بيوعاً ما يحل لي منها وما يحرم عليَّ؟ قال: «فإذا اشتريت بيعاً فلا تبعه حتى تقبضه» (رواه أحمد).
مصطلحات الحديث:
«تقبضه»: تتسلمه.
وتختلف طبيعة القبض وفقاً لنوعية السلع المباعة من كونها عقاراً أو منقولاً، فالقبض في العقار يكون بالتخلية بينه وبين من انتقل إليه الملك، بحيث يتمكن من الانتفاع به الانتفاع المطلوب عرفاً، بينما القبض في المنقول يكون باستيفاء القدر كيلاً أو وزناً، أو بنقله من مكانه إن كان جزافاً، وفيما عدا المقدر والجزاف يرجع في القبض إلى العرف.
الدروس الاقتصادية في الحديث:
1- من علة تحريم بيع السلع قبل قبضها أن البائع إذا باعها ولم يقبضها المشتري فإنها تبقى في ضمانه، فإذا هلكت كانت خسارتها عليه دون المشتري، فإذا باعها المشتري في هذه الحال وربح فيها كان رابحاً لشيء لم يتحمل فيه تبعة الخسارة، ونهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ربح ما لم يضمن.
2- من علة تحريم بيع السلع قبل قبضها أن المشتري الذي باع ما اشتراه قبل قبضه يماثل من دفع مبلغاً من المال إلى آخر ليأخذ في نظيره مبلغاً أكثر منه، إلا أن هذا أراد أن يحتال على تحقيق قصده بإدخال السلعة بين العقدين فيكون ذلك أشبه بالربا.
3- من علة تحريم بيع السلع قبل قبضها أن ملك السلع قبل القبض ضعيف؛ لاحتمال انفساخ العقد بتلفها، فيكون بيعها قبل قبض المشتري لها لوناً من ألوان الغرر، لاحتمال عدم تمام الصفقة.
4- من علة تحريم الطعام قبل قبضه أن المنع يؤدي لتقليل تداول أيدي التجار للأغذية قبل وصولها للمنتفع بها؛ لكيلا ترتفع أثمانها دون أي إضافة، ويتضرر المشترون لها لسد حاجتهم بها.
_________________
(*) أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم

Exit mobile version