هل تتجه تركيا شرقاً؟


كتبت الكثير من التحليلات في الأيام الماضية حول اتجاه تركيا نحو الشرق في ظل السيولة والغموض واحتمالات التراجع المحيطة بالقوة الغربية وخاصة الولايات المتحدة في المنطقة وتعزز ذلك باستلام تركيا لمنظومة إس 400 الدفاعية من روسيا وزيارة أردوغان الخاصة للصين ولقاءه بالرئيس الصيني بعد قمة العشرين مع تصريحات إيجابية حول العلاقات الثنائية واستعداد تركي للمساهمة بشكل فعال في مبادرة الحزام والطريق الصينية.
بشكل خاص سنتطرق إلى روسيا بشكل أكبر في هذا المقال حيث أن روسيا تنخرط في المنطقة بأبعاد تتعدى الاقتصاد إلى الوجود العسكري المباشر في سوريا وإلى المشاركة السياسية في أحداث المنطقة بعلاقاتها مع تركيا وإيران ومحاولة لعب دور في القضية الفلسطينية فضلا عن أن الدراسات المستقبلية تشير أن الدور الروسي سيزداد في المدى القريب وسيكون أكثر تدخلية في المنطقة من الدور الصيني الذي سيقتصر وجوده في المدى القريب على حماية مصالحه في حال حدث فراغ أكبر في القوة.
بالنسبة لتركيا فلها ماض معروف من الحروب مع روسيا وتاريخيًّا، تمتلك العلاقات التركية-الروسية سجلاًّ حافلاً, منذ أن خاضت الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية قرابة 17 حربًا بين عامي 1568 و1917م, إلى أن ورثت كل من روسيا الاتحادية والجمهورية التركية العلاقات التاريخية بخلافاتها وتقارباتها.
و”بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انضمت تركيا رسميًّا إلى المعسكر الغربي من خلال عضويتها في حلف شمال الأطلسي، الناتو، عام 1952م, وكان سبب الانضمام الرئيسي هو تأمين الحماية من أطماع وتوجهات الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، خاصة ما يتعلق بقضايا المرور من مضيق البوسفور وطلب إنشاء قواعد عسكرية مطلَّة عليه والتنافس على نقل بترول آسيا الوسطى.”
ولعل أحد كلمات السر تكمن في المضائق سواء مضيق البسفور أو مضيق الدردنيل حيث تريد روسيا الانطلاق من البحر الأسود إلى البحر المتوسط من خلال هذه المضائق ويتعكر صفوها إذا كانت هناك حكومة معادية لروسيا ولذلك لطالما أرادت روسيا أن تحقق سيطرة على هذه المضائق سواء سيطرة مباشرة أو من خلال حكومة يكون لها تبعية لروسيا.
ولذلك فإن أحد الأسباب المهمة التي دفعت بوتين لاستعادة العلاقة مع تركيا بعد أزمة اسقاط الطائرة في 2015م هي التقارب من تركيا ولعل انتهازه الفرصة في دعم موقف أردوغان خلال المحاولة الانقلابية في ظل تردد حلفاء تركيا الغربيين من إدانة الانقلاب أو حتى دعم الديمقراطية كان محاولة أخرى من بوتين لدق اسفين بين تركيا والغرب في ظل التوترات القائمة وكان تقديم منظومة إس 400 لتركيا مع مزايا نقل التكنولوجيا وبسعر أفضل من منظومة باتريوت التي رفضت إدارة أوباما بيعها لتركيا ضربة مدروسة من بوتين.
وإذا قامت واشنطن ودول الناتو بتطبيق عقوبات على تركيا فإن بوتين سيكون فرحا بمشاهدة التفكك الرسمي لعلاقة تركيا بالغرب والتي كانت في يوم من الأيام تتفاوض للانضمام للاتحاد الأوروبي. ومع إعلان واشنطن اخراج تركيا من برنامج تصنيع طائرات إف 35 استغل بوتين الفرصة وعرض على تركيا شراء طائرات سوخوي 35. ليزيد من الشرخ بين تركيا وواشنطن.
لكن حجر الزاوية في الأمر أن تركيا التي تواجه عقبات اقتصادية ومتاعب سياسية بسبب سياستها الاستقلالية لا تريد أن تخرج من الاعتماد العسكري على واشنطن إلى الاعتماد العسكري على موسكو ولهذا فإن تقاربها الحالي مع موسكو ليس تقاربا على المدى البعيد وإنما يدخل في استراتيجية التنوع في العلاقات من ناحية كما أن صناع القرار في أنقرة لا زالوا يدركون أن الدول الغربية لا زالت تعطي أهمية للعلاقة مع تركيا وبالتالي لن تتخلى عنها بهذه السهولة.
إذا صدق هذا الإداراك فإننا قد نرى عقوبات شكلية من الولايات المتحدة أو تأجيل لها على الأقل ولن نرى مواجهة مع تركيا على التنقيب عن الغاز قبالة قبرص كما قد نرى تفاهما بين واشنطن وأنقرة على المنطقة الآمنة شمال سوريا وهو ما يتم التباحث حوله حاليا.
ولكن إذا لم يحدث هذا ودخلت تركيا في مواجهة مع الدول الغربية في هذه الملفات مجتمعة فإن تركيا سوف تسرع من خطواتها التقاربية مع الصين وروسيا ولكن المنطق يقول أن تركيا ستعمل على إدارة التوازن بين الطرفين وهذا تحد كبيرفي ظل التوتر والتطورات المفاجئة في المنطقة.

Exit mobile version