القيم بين الثبات والانسلاخ من هوية المجتمع

 يفتخر كل مجتمع بقيمه التي يتميز بها، التي يتمسك بها ويحافظ عليها أطول فترة زمنية ممكنة، التي يتفوق بها على المجتمعات الأخرى، وتتجلى هذه القيم عند الأزمات والمواقف الصعبة، والأزمنة الشديدة.

وتتعرض هذه القيم لمحاولات تشويه وإساءة من جهات مختلفة، وبالأخص وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ونجد بعض الأعمال الدرامية تسيء لقيم المجتمعات المحافظة بالدعوة للتفلّت منها، ومخالفة القوانين، والدعوة الصريحة المباشرة أو غير المباشرة لتجاوزها ومخالفتها.

وأكثر الناس تعرضاً لهذه الإساءات النساء والفتيات.. الفئة الأكثر متابعة للتمثيليات التلفزيونية، وكذا الشباب الذين يتابعون الأفلام السينمائية؛ وبالتالي لا غرابة أن نرى أثر ذلك في سلوكهم اليومي، من تخلٍّ تدريجي عن القيم الإيجابية، واختيار قيم غريبة عن مجتمعه.

كما تتعرض تلك القيم للزوال مع المهاجرين لدول مختلفة القيم، وبالأخص الهجرة من دول المشرق إلى دول المغرب، حيث ينشأ الجيل الثاني المولود هناك على قيم بلد المهجر، وتتأكد لدى الجيل الثالث، فينسلخ من هويته وقيمه؛ وبالتالي لا غرابة أن نرى أثر ذلك في سلوكهم اليومي، من تخلٍّ تدريجي عن القيم الإيجابية، واختيار قيم غريبة عن مجتمعه.

ولا يدعم استمرار هذه القيم الإيجابية سوى التربية والتنشئة الحسنة، التي تحصن الجيل الجديد ممن يحاول الإساءة لها، أو يتأثر بعكسها، وبنظرة كاشفة للجاليات المهاجرة لدول الغرب من مختلف الجنسيات المشرقية، نجد المجموعة المتماسكة التي تحفظ عيالها من الانغماس في الفكر الغربي، وتوفر لهم البديل التربوي الأفضل منذ نعومة أظفاره، يحافظ الأبناء على قيمهم وهويتهم حتى وإن حصلوا على جنسية تلك البلاد، فالهوية والقيم ليست بالجواز والجنسية، إنما في السلوك.

ولعل أبرز الجاليات التي تحافظ على هويتها ولو بعد مرور قرن من الهجرة هم الهنود والصينيون بمختلف دياناتهم، حتى إنك ترى لهم أحياء خاصة بهم، (وأشهرها الحي الصيني)، وتنتشر معابدهم المختلفة، ومطاعمهم وملابسهم الشعبية، ويحرصون على مدارس السبت والأحد التي يغذون فيها أبناءهم تلك القيم بأسلوب محبب، وكذا البنغال والباكستان والأتراك واليمنيون.. وغيرهم.

كما أنهم يرسلون أبناءهم فترات طويلة إلى بلدهم الأم حتى يعرفوا أقرباءهم وأحياءهم، ويتعلموا عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم، ويحفظوا لغتهم بشكلها الصحيح، ويفهموا دينهم، فتترسخ الهوية لديهم، مع الاستفادة من التقدم العلمي والفكري لدى الغرب؛ دون خسران قيمهم.

فالمسؤولية القيمية هي مسؤولية اجتماعية بالدرجة الأولى، تنطلق من الأسرة التي تهتم بأبنائها وترسخ فيهم القيم الإيجابية، حتى لا يعيش الشباب صراعاً نفسياً بين ثبات القيم وانسلاخها من هويته الأصيلة، وتنعكس على سلوكه اليومي بشكل سلبي.

وليس أفضل من الالتزام الديني في الحفاظ على تلك القيم، والارتباط بالمسجد، والصحبة الصالحة، ودعاء الوالدين، والتحصين المستمر، والتثبيت والتوفيق من الله عز وجل.

وقد تميز المسلمون كثيراً بقيمهم الإيجابية التي أشاد بها قادة العالم، حافظوا فيها على هويتهم، وخدموا الأمم على اختلاف هويتهم، في الإغاثات الإنسانية تارة، وفي ضبط النفس لما يُحاك عليهم تارة، حتى أثبتت العديد من الأرقام أنهم الأقل أذى على مستوى العالم، فأقاموا صلاة الاستسقاء في السويد، وأنقذوا الناس من عدة حرائق في بريطانيا، فأثبتوا أنهم مواطنون مخلصون لبلدهم حتى لو كان بلد المهجر.. وهكذا هي قيم المسلم الإيجابية.

Exit mobile version