قبل أن نصل إلى أزمة المياه

بدأت دول كثيرة تدق جرس الإنذار المائي؛ إما في مستوى الهدر والإسراف، أو الشح المائي، وأنا لا أتكلم عن الصحاري والقفار وما يصيبها من جفاف، فالخطر قد شارف المدن الخضراء، وما أكثرها، فقد قرأنا عن الجفاف الذي أصاب مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا، وبدأ الناس يحصلون على المياه عن طريق تعبئة جالونات في مراكز خاصة، وكادت تصل إلى مرحلة الصفر لولا رحمة الله، وسبقتها في الجفاف مدينة ساو باولو البرازيلية.

ولعلنا نذكر موجة الجفاف التي أصابت السويد، لعدم هطول الأمطار لأكثر من 4 أشهر؛ مما تسببت في عشرات الحرائق التي حولت آلاف الهكتارات من الغابات إلى رماد، وجعلت المزارعين في وضع صعب للغاية، وكانت مبادرة رائعة من مسلمي السويد عندما أقاموا صلاة الاستسقاء في العاصمة أستوكهولم، أسعدت الناس لهذه المشاعر الوطنية والإنسانية.

ولا يخفى على أحد أن الصراع العالمي القادم سيكون حول المياه، فبوادره الأولى واضحة من مشكلات سدود الأنهار الشهيرة التي تغذي عدة دول؛ مثل النيل ودجلة والفرات، وبلا شك فإن شح المياه سيؤدي لنزاعات وحروب، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط.

ولأزمة المياه مظاهر عدة، أبرزها قلة المياه الصالحة للشرب، وقلة مياه استخدام الصرف الصحي، ونضوب المياه الجوفية وتأثيرها السلبي على الإنتاج الزراعي، وتلوث موارد المياه بسبب المجاري والمخلفات الكيميائية والنووية، وانتقال الأمراض عن طريق المياه الجارية، حتى نجد أنفسنا بين تصحر وجفاف.

لقد استطاعت البرازيل وجنوب أفريقيا وغيرهما من الدول تجاوز المحنة بتطبيق نظم صارمة بخصوص الإسراف، ولكنها ما زالت على حافة الخطر، حتى الدول الإسكندنافية الباردة والمليئة بالثلوج عانت من الجفاف، وستعاني دول كثيرة ما لم تمتنع عن الإسراف، فقد بين تقرير للأمم المتحدة أن عدم كفاية المياه في كثير من الأحيان بسبب سوء الإدارة والفساد.

وكم أعلن قياديون في وزارة الكهرباء والماء عن تصدر دولة الكويت الهدر المائي في العالم (استهلاك الفرد)، وهذا مؤشر خطير لبلد صغير، بعدد سكان قليل، وسط صحراء، وقرب بحر مالح، وتحرق ملايين براميل النفط في المصافي؛ لأجل الحصول على الماء الصافي.

فينبغي على الدول أن تعي هذه الخطورة بشكل مسبق، حتى لا نصل إلى مرحلة «لا علاج، ولا دواء»، بما فيها الدول الغنية بالماء، ويكون ذلك بسن قوانين الهدر، وتقسيم تعرفة الماء وفق شرائح؛ فكلما ارتفع الهدر؛ ارتفعت معه التعرفة.

ومن الضروري بمكان استمرار التوعية بأهمية عدم الإسراف بالماء، فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ؛ فقال: «ما هذا السرف؟»، فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نعم.. وإن كنت على نهر جار»، وقال: «إن للوضوء شيطاناً يقال له ولهان فاتقوا وسواس الماء»، فإذا كان ذلك في الوضوء وهو ركن الصلاة، فكيف بباقي حياتنا اليومية؟!

إن المحافظة على استهلاك المياه يدخل ضمن الأمن القومي لأي بلد، فلنستدرك ما يمكن إدراكه قبل أن نصل إلى أزمة المياه، ونجد أنفسنا نستجديه.. أو نهاجر!

Exit mobile version