رأي في إسقاط القروض

أعلن وزير المالية الميزانية التقديرية الجديدة للدولة للسنة المالية 2019/ 2020م، وبيّن أن فيها عجزاً يُقدَّر بمليارات عدة من الدنانير! وكما يعلم كثيرون أن هذا العجز دفتري فقط وليس حقيقياً؛ بمعنى أن الحساب الختامي للميزانية، الذي يكون في نهاية السنة المالية من كل عام (في أبريل) يتم حساب ما تم صرفه فعلياً من الميزانية التقديرية وما تم إيراده فعلياً من بيع النفط وغيره، فإن زادت المصروفات على الإيرادات قلنا: إن هناك عجزاً فعلياً أو حقيقياً، وإن حصل العكس؛ أي زادت الإيرادات على المصروفات، قلنا: إن هناك فائضاً مالياً الذي عادةً ما يتم تحويله إلى الاحتياطي العام للدولة أو احتياطي الأجيال.

وعادةً ما تكون هناك فوائض مالية؛ لأن الميزانية التقديرية تُحسب على أساس سعر ثابت لبرميل النفط يكون أقل بكثير من سعر البيع الفعلي؛ لذلك تكون الإيرادات الفعلية أكثر من المصروفات الحقيقية، كما حدث في الأعوام الماضية، ناهيك عن عدم حساب إيرادات الاستثمارات الخارجية التي عادة ما تكون أرقامها قريبة من الإيرادات النفطية! لذلك القول بوجود العجز المالي في الميزانية يعتبر كلاماً استهلاكياً لأسباب سياسية، ويتم تكرار هذا الكلام كلما طرح موضوع إسقاط القروض.

نأتي الآن لمقترح إسقاط القروض، الذي يتم تداوله شعبياً على نطاق واسع منذ أسابيع عدة، حيث إن مشكلة هذا المقترح تتكرر كلما أعيد طرحه من جديد، وهي عدم أخذ عنصر العدالة بعين الاعتبار، ما يضعف المقترح ويقوي حجة الطرف الآخر الرافض لمبدأ إسقاط القروض.

فلو حددنا فئة المعسرين فقط، ووضعنا آلية لتحديد هؤلاء المعسرين لكان المقترح أكثر قبولاً، كما أن منح مبلغ محدد لكل أسرة كويتية قد يكون أكثر إنصافاً، وهناك مقترح أن تكون المنحة متناسبة مع دخل الأسرة، وكلما ضعف الدخل زادت المنحة، ويمنع صرف المنحة لمن زاد دخله على مبلغ معيّن.

مثل هذه المقترحات تحرج أصحاب الرأي الرافض لإسقاط القروض، فالثري لا يستفيد، وغير المحتاج لا يدخل ضمن هذه الشرائح، والعدالة متوافرة تقريباً في المقترح.. وهكذا.

الشاهد أن المقترحات الخاصة بإسقاط القروض تعتمد في قوتها على الزخم الشعبي لها فقط، وعلى إحراج النواب والقوى السياسية، في حين أصحاب المقترح يعلمون جيداً أن تمريره بهذه الصيغة ضربٌ من الخيال.

إن انتشار قضايا الفساد في كثير من مؤسسات الدولة، وضلوع أسماء محددة من أصحاب الأموال في هذه التجاوزات، يعطيان انطباعاً عند العامة، خصوصاً المعسرين أو أصحاب الدخول المحدودة الذين يعيشون في ضائقة مالية، انطباعاً أن هذا البلد مثل البقرة الحلوب، ولكن لفئة تعيش في رفاهية مفرطة على حساب المال العام، في وقت المواطن البسيط يعيش محروماً من التمتع بخيرات بلده؛ بحجة عدم جواز المساس بالمال العام! هذا الشعور لدى المواطنين يجعل مثل هذه المقترحات لإسقاط القروض مقبولة بكل علاتها، فهم يرون أنه لم يعد للمال العام حرمة بعد هذه التجاوزات عليه من البعض في البلد.

نحن فعلاً محتاجون إلى قرار يراعي حاجة المواطن وييّسر عليه أموره، كما يراعي المبادئ العامة للدستور والقانون، فلا يهلك الذئب ولا تفنى الغنم.

____________________________________________

 

ينشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.

Exit mobile version