هل ما زال الأمل قائماً بالعودة؟!

تستقبل دول العالم المتقدم العديد من المهاجرين إليها لأسباب مختلفة (اقتصادية، سياسية، دراسية.. إلخ)، وغالباً يكون تفكير ذلك المهاجر البقاء بضع سنوات، ثم العودة إلى بلدته التي يعشقها، وتمتد به السنوات تلو السنوات حتى يتزوج وينجب ويدخل أبناؤه المدارس، والأمل مازال قائماً بالعودة، ويحصل على الجواز، ويكبر أبناؤه ويدخلوا الجامعة، والأمل ما زال قائماً بالعودة، ويعمل الأبناء في أماكن متعددة وفق جنسيتهم الجديدة؛ ليمثلوا الجيل الثاني من ذلك المهاجر، ثم يتزوجوا وينجبوا ويدخل أبناؤهم المدارس، ويصبح ذلك المهاجر جداً، والأمل ما زال قائماً بالعودة، ويكبر الأحفاد ويدخلوا الجامعة، ويعملوا في عدة وظائف، ليمثلوا الجيل الثالث من ذلك المهاجر، ولا نعلم هل ما زال ذلك المهاجر على قيد الحياة أم لا، وإن كان حياً فهل الأمل ما زال قائماً بالعودة؟!

تبقى هذه السلسلة من المهاجرين سُنة الحياة منذ بدء الخليقة، من جميع الأجناس والأعراق والأديان، وإلا لما وصل البشر إلى أقاصي الأرض شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، ليتم إعمار الأرض حتى تستوعب تلك الهجرات المتوالية.

وهناك من استثمر هذه الهجرات علمياً واقتصادياً وعسكرياً وفنياً ورياضياً وثقافياً ودينياً وقيمياً.. وغير ذلك، (نقلت اليابان التقنية من ألمانيا، لتكون رائدة الصناعة في العالم)، ولو استعرضنا أسماء كبار المستثمرين والسياسيين والاقتصاديين والرياضيين في العالم؛ لوجدنا عدداً كبيراً من المهاجرين، وهناك من هاجر ومات ولم تكن له بصمة في هذه الحياة، لا على نفسه ولا ذريته ولا مجتمعه.

ومن هؤلاء المهاجرين مسلمون من عدة أجيال، فمنهم من فقد لغته الأم (مع أنهم يتعلمون لغتين بالمدرسة)، ومنهم من فقد دينه (بالاسم فقط)، ومنهم من فقد قيمه وهويته، ومنهم من نقل مشكلاته وخلافاته من الموطن الأصلي إلى المهجر، ومنهم من تقوقع على نفسه، فلا استفاد من الفرص المتاحة له كمواطن في بلد متقدم، ولا ارتقى بنفسه فكراً وعلماً وثقافة، وثبت أن ذلك كله مرتبط بمدى اهتمام الأسرة بالأولاد؛ تربية وتوجيهاً وتعليماً، ومدى تفاعل الوالدين مع فعاليات ومرافق المجتمع، في الدوائر الأقرب فالأبعد.

ومنهم من ارتقى بنفسه في شتى المجالات؛ فرأيناه محافظاً ولورداً وبرلمانياً ووزيراً ورئيساً، ورأيناه طبيباً ومهندساً ومحامياً وصيدلانياً ولاعباً، (في لندن “رابطة أطباء القلب المصريين” لكثرتهم، فما بالك بباقي التخصصات؟!)، ورأينا البرلمانيين والإعلاميين والرموز الاجتماعية والاقتصادية، ووصل بعضهم إلى حد الثراء، وعلاقات سياسية واجتماعية لا حدود لها، ويحرصون على أداء صلاة الجمعة في المسجد، شيء جميل، ولكن.. ما أثر ذلك على المجتمع المسلم؟ وما أثر ذلك على الدعوة الإسلامية؟ وما أثر ذلك على أبنائهم في بلد المهجر؟!

لقد دفعوا ثمن الهجرة كثيراً من عواطفهم وعلاقاتهم وأحبابهم، وحققوا ما لم يتوقعوه أو يحلموا به، لكنهم لم يعكسوا ذلك حمداً وشكوراً في الحرص على تعليم أبناء المسلمين القرآن الكريم واللغة العربية وأصول الدين الإسلامي التي تعلموها في موطنهم الأصلي، ولا في دعم المراكز الإسلامية التي تقوم بذلك نيابة عنهم، التي تتسول الأموال كل صلاة جمعة، ومن الدول المانحة.

ولا نعلم.. هل قدموا رسائل إيجابية عن الإسلام؟ هل دافعوا عن الإسلام من خلال عملهم أو مناصبهم؟

إذاً أصبحت الهجرة هنا مضيعة للدين والمال، والعمر والأجيال، فما دامت الهجرة قسرية، فلنجعلها إيجابية بعطائنا لأجل ديننا، فما لم يحصل عليه غيرك، لتكن أنت سبباً في حصوله عليه، لعل الأمل بالعودة يعود.

Exit mobile version