ابن السبكي.. صاحب طبقات الشافعية

الحمد لله جعل العلماء ورثة الأنبياء، وجعلهم درجات وطبقات؛ فنبغوا في المؤلفات والمصنفات والإنتاج العلمي والمنجزات، وكانت لديهم المسائل والمذاهب والآراء والفتاوى، فكان منهم المحدثون والحفاظ والمفسرون والوعاظ والمؤرخون والأدباء واللغويون والمتكلمون والفلاسفة المفكرون، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم القائل: “العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورَّثوا العلمَ”(أخرجه أبو داود (3641)، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223) مطولاً).

ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ المبرزين والأعيان المتميزين صاحب كتاب “طبقات الشافعية”، وهو الكتاب الذي أثنى عليه العلماء من المتقدمين والمتأخرين؛ بما حواه من الفوائد والعوائد والكنوز والفرائد.

أما صاحبه فهو العلامة تاج الدين أبو نصر عبدالوهاب بن علي (727 – 771هـ)، ووالده الإمام العلامة تقي الدين علي بن عبدالكافي السبكي (683 – 756هـ).

وقد أوضح حياةَ ابن السبكي، يرحمه الله، بأسلوب ماتع شائق العلامةُ د. محمود محمد الطناحي في مقالاته “صفحات في التراث والتراجم واللغة والأدب”:

“وقد نبغ صاحبنا تاج الدين في منتصف القرن الثامن الهجري -عصر الموسوعات- هذا العصر الذي كان بمثابة الصحوة الفارهة بعد النكسة التي أصابت العالم الإسلامي، التي كادت تأتي على تراثه الضخم العريض، إبان الغزو التتري الكاسح.

وقد وُلد تاج الدين بالقاهرة، ونسب إلى قرية سبك من أعمال المنوفية.. ولم ينصرف الفتى في صباه إلى اللهو واللعب، كما يفعل لداته وأترابه، فقد هدهد سمعه في سن تفتحه وفود العلماء، تفد إلى بيت أبيه، تنشد العلم وتطلب الفتيا.

فأقبل على ألوان المعرفة يحصلها على مهل واتئاد، حتى اكتملت له أدوات العالم المجتهد.. وكان مجلى هذه الثقافة الواسعة العريضة في نهاية الشوط موسوعة علمية ضخمة، لمت أطراف الثقافة العربية، وجلتها على نحو معجب خلاب، على امتداد سبعة قرون في كتابه الخالد “طبقات الشافعية”.

لقد انفسح هذا الكتاب العظيم من خلال ترجمته لرجال المذهب الشافعي لكثير من المباحث الفقهية والفتاوى الشرعية، والمقالات، والمناظرات، والنوادر والملح، كما حفل بالضوابط اللغوية ومسائل علم الكلام والأصول.

كما كان مصدراً أدبيّاً لكثير من الكتب التي عالجت شؤون الحب، وكان أيضاً مرجعاً أصيلاً في جمع أشعار الشعراء.

ويرسم ابن السبكي المعلم للمدرس منهجاً تربوياً راشداً حين يقول:

وحق عليه أن يحسن إلقاء الدرس وتفهيمه للحاضرين، ثم إن كانوا مبتدئين فلا يلقي عليهم ما لا يناسبهم من المشكلات، بل يدربهم ويأخذهم بالأهون فالأهون، إلى أن ينتهوا إلى درجة التحقيق، وإن كانوا منتهين فلا يلقي عليهم الواضحات، بل يدخل بهم في المشكلات” (الطناحي – مقالات).

عبر تربوية:

– تأثر التوجه التربوي للأمة بما تتعرض له من أخطار وأزمات.

– الدور الإيجابي للعلماء في النهضة والازدهار.

– اهتمام العلماء بالتعليم والتدريس لأبناء المسلمين.

– تأثر الأبناء بمن يفد على آبائهم من علماء وغيرهم.

– الكنوز والجواهر الموجودة في كتب التراث لها أهمية كبرى حال استخراجها وصياغتها بأسلوب يتناسب مع جيل هذا العصر.

والحمد لله رب العالمين.

Exit mobile version