ترميم المعابد.. وتدنيس المساجد!

في الثالث من أغسطس 2017م، صرح محمد عبدالعزيز، مدير عام مشروع القاهرة التاريخية بوزارة الآثار، بأن شركتي أوراسكوم والمقاولون العرب؛ المكلفتين من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، تسلمت المعبد اليهودي بالإسكندرية لترميمه، تحت الإشراف الكامل من وزارة الآثار.

وأوضح في بيان صحفي أن مشروع الترميم يستغرق حوالي ثمانية أشهر، بتكلفة 100 مليون جنيه مصري ممولة من الحكومة المصرية.

وأكد أن وزارة الآثار لن تتواني في ترميم الآثار اليهودية بمصر بوصفها آثاراً مصرية لا بد من حمايتها طبقاً لقانون حماية الآثار، كما أنها تمثل جزءاً من التراث المصري، وكان السعيد حلمي عزت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية في وزارة الآثار، قد أشار في 5/ 7/ 2017 إلى أن المادة (30) من القانون رقم (117) لسنة 1983 وتعديلاته بقانوني (3) و(61) لسنة 2010 تنص على أن الطائفة اليهودية بوصفها الجهة المنوط بها الأمر تتحمل تكلفة الترميم بالكامل كونها الجهة الشاغلة.

كما أشار إلى أن الرئيس الشرعي محمد مرسى وافق للكيان الصهيوني الغاصب على ترميم المعبد، ولكن الآثار رفضت قبول أي منح مادية من العدو لترميم المعبد لأن المعبد تراث مصري خالص، وسبق للسفير الصهيوني ديفيد غوفرين أن عرض مبلغاً ضخماً لترميم المعبد الذي يعد ثاني أكبر معبد يهودي على مستوى العالم.

يقع المعبد اليهودي (معبد الياهو حنابي) بشارع النبي دانيال، ويعد من أقدم وأشهر معابد اليهود في الإسكندرية، بني عام 1354 وتعرض للقصف من الحملة الفرنسية على مصر عندما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد على باشا، وكانت الآثار المصرية قد قامت من قبل بترميم معبد الفسطاط ومعبد موسى بن ميمون، وهناك 12 معبداً تحتاج إلى الترميم، كانت تخدم حوالي مائة ألف يهودي حتى منتصف القرن العشرين، خان معظمهم وطنه الذي آواه ورباه وأغناه، وهرب إلى فلسطين المغتصبة، وجُنّد كثير منهم في جيش الدفاع، وقاتل أبناء شعبه في الحروب التي شنها اليهود ضد مصر والعرب.

لم يبق في مصر غير 18 يهودياً، منهم 6 في القاهرة و12 في الإسكندرية، وتعاملهم الدولة بوصفهم مواطنين درجة أولى؛ فوق بقية المواطنين، وتحرص على التفريق بين اليهودي والصهيوني كي لا تتهم بالعداء للسامية، مع أن اليهود غير الصهاينة قلة لا تذكر وتثبت القاعدة، وقد اتجه بعض كتاب الرّواية في مصر إلى جعل المعابد اليهودية المهجورة في الأقاليم مكاناً لأحداث رواياتهم عسى أن يكون ذلك جالباً لجائزة “نوبل”!

مقابل هذه الحفاوة بالمعابد اليهودية والمشاعر اليهودية، يقوم اليهود الغزاة في فلسطين المحتلة بتدنيس المساجد الإسلامية، وفرض ضرائب على الكنائس المسيحية، والاحتيال لشراء الأوقاف الكنسية! فضلاً عن اقتحام المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل، وسن تشريعات تحرم الأذان في فلسطين المسلمة!

نبهت مؤسسة “الأقصى” لحماية المقدسات في فلسطين إلى أن العدو الصهيوني يواصل استهداف المساجد والمقابر والمقامات الإسلامية منذ ستة عقود، بغية إزالة الملامح الإسلامية والعربية من البلاد ومحو ذاكرتها، جاء ذلك في دراسة ميدانية للمؤسسة ضمن مشروع المسح الشامل للأوقاف والمقدسات الذي تشرف عليه للتعرف على كل أثر أو موقع مقدس عربي في فلسطين، وذكرت الدراسة الميدانية الموثقة التي نشرت أخيراً أن سلطات الاحتلال الصهيوني هدمت آلاف المساجد والمقابر الإسلامية منذ النكبة، كما حولت العشرات منها إلى كنس يهودية (معابد) وملاهٍ ليلية ومطاعم وخمارات وأماكن للعب القمار، ومنعت ترميم بعضها الآخر والإبقاء عليه في حالة يرثى لها.

ورصدت الدراسة نماذج كثيرة على ذلك منها مقبرة قرية بيا عدس المهجّرة التي لم يبق منها سوى بعض بقايا شواهد قبور بعدما حولت في معظمها إلى موقف للسيارات وممر للمشاة وموضع لحاويات القمامة وسط مستوطنة “هود هشارون” القائمة على أنقاض القرية، وفي مدينة يافا أنشئ على أجزاء واسعة من مقبرة عبد رب النبي فندق هيلتون، في حين غطى العشب قرية عمقا المهجرة في قضاء عكا التي دمرت بيوتها ولم يبق فيها سوى مسجد متداع تمنع السلطات اليهودية ترميمه.

وفي وسط مدينة طبريا تطل مئذنة مسجد السوق أو المسجد العمري المبني في القرن الثامن عشر وتردد عليه عشرات الآلاف من المصلين واعتلى منبره مئات الأئمة والعلماء، إلى أن أحكمت الصهيونية قبضتها عليه وتركته عرضة للانتهاك فأصبح مجمعاً للقمامة وتحُول بلدية المدينة دون صيانته وترميمه. وفي شمال مدينة طبريا تقع المقبرة الإسلامية الواسعة، وقد شقت المؤسسة اليهودية شارعاً رئيساً شطرها إلى قسمين لتستبيح المركبات حرمتها منذ عقود. وأشارت الدراسة إلى وجود مقام مجاور هو مصلى “الست سكينة” التاريخي المبني في العهد المملوكي الذي حولوه إلى كنيس باسم “قبر راحيل”، وهو ما يندرج ضمن عمليات تزييف التاريخ وقلب الحقائق وسرقة التراث.

وتضمنت الدراسة قائمة بعشرات المساجد التي انتهكت سلطات الاحتلال اليهودي حرماتها منذ النكبة، منها مسجد قرية الزيب قضاء عكا الذي حولته إلى مخزن للأدوات الزراعية، ومسجد عين الزيتون في قضاء صفد الذي حولته إلى حظيرة للأبقار، والمسجد الأحمر في صفد (بلد آية الله محمود عباس، رئيس السلطة الوهمية في رام الله!) الذي حوّلته إلى ملهى ليلي، والمسجد اليونسي الذي حول إلى معرض تماثيل وصور، ومسجد القلعة في صفد الذي جعلته مقراً لمكاتب البلدية.

كما حولت مسجد الخالصة قضاء صفد إلى متحف بلدي، ومسجد عين حوض قضاء حيفا إلى مطعم وخمارة، والمسجد القديم في قيساريا قضاء حيفا إلى مكتب لمهندسي شركة التطوير، أما المسجد الجديد في قيساريا والمبني منذ عهد الخليفة عبدالملك بن مروان فتحول إلى مطعم وخمارة.

وأوردت الدراسة سجلاً بالمساجد المحولة إلى كنس منها المسجد اليعقوبي في صفد، ومسجد ياقوق قضاء طبريا، ومسجد العفولة، ومسجد كفريتا، ومسجد طيرة الكرمل، ومصلى أبي هريرة في قرية يبنى قضاء الرملة، وفي الدراسة أمثلة كثيرة مخجلة!

أما ما يحدث في المسجد الأقصى والخليل، ويراه العالم بصورة شبه يومية على شاشة الفضائيات فحدّث ولا حرج، ومع ذلك فالشعب المصري الفقير (أوي) يقتطع من قوته اليومي ليصون المعابد اليهودية، ويعيد إليها الرونق القديم! وبالطبع فإن أم الدنيا لا تقايض الاهتمام بالمعابد بالاهتمام بالمساجد في فلسطين المحتلة! هم يدنسون المساجد، ونحن نرمم المعابد.. “كبّر دماغك!”.

الله مولانا، اللهم فرّج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

Exit mobile version