إشكالية التوزيع العيني في الجمعيات الخيرية

تزايد عدد الجمعيات الخيرية الكويتية التي تقدم خدماتها محلياً، دون تفرقة بالجنسية أو الدين أو العرق، وبالأخص في مجال الأغذية والملابس والتأثيث والأجهزة المنزلية والحقيبة المدرسية وغيرها، وهذا عمل مبارك يسعد به الجميع، وأسأل الله أن يأجر من يقوم عليه، ويوفقه للعمل بكل اقتدار.

وأود هنا ذكر بعض الملاحظات التي ذكرها العديد من المراقبين، والتي آمل أن ينتبه إليها الإخوة العاملون في هذا المجال.

أولاً: مركزية الاستقبال والتوزيع: فمعظم الجمعيات تستقبل التبرعات في مراكزها الموجودة في وسط البلد (العديلية، كيفان، الروضة..)، وتوزعها في نفس المكان لعدم وجود أفرع أخرى لها، مما يضطر المحتاجين للحضور من مناطق بعيدة، بتكلفة نقل ليست بسيطة، ومن لا يملك وسيلة نقل لن يصل إلى حاجته، ومن الأحسن إيجاد آلية أفضل لتوزيعها في مناطقهم ومساكنهم إن تيسر.

ثانياً: التوزيع العشوائي: فقد لاحظت في بعض الإعلانات، وشاهدت في بعض الجمعيات الخيرية، توزيع الأغذية الجافة والملابس بشكل عشوائي، دون دراسة حالة، أو وجود ملفات تبين حقيقة حاجة الفرد أو الأسرة، وعدد أفراد الأسرة وأعمارهم، مما يتسبب في تكرار حصول بعض الناس على حصص لآخرين لم يأخذوها، وعدم حصول محتاجين آخرين لها.

وهذا التوزيع العشوائي يجعل كثيراً منهم يأخذ المواد الغذائية والمواد العينية ليعيد بيعها على جهات أخرى، أو يبيعها في سوق الجمعة، أو الأسواق العشوائية، ويحرم المحتاجين الحقيقيين، لأنه باختصار بحاجة للمال لأموره الحياتية (إيجار، علاج، دواء، حفاظات.. إلخ).

وهذا ما جعل كثيراً من المؤسسات الخيرية في الإغاثات الخارجية والمساعدات المحلية تقديم مساعدات مالية أكثر من العينية، لأنهم أدرى بأحوالهم واحتياجاتهم.

لذا، فمن الأفضل إجراء ملف لكل طالب مساعدة (باستثناء فائض الأطعمة)، ببيانات مبسطة، لضمان استحقاق الفرد أو الأسرة لها، ولعل ذلك يكون مفتاح خير لهم بزيادة حصصهم.

ومن الضرورة أيضاً التنسيق في ذلك إلكترونياً بين جميع الجمعيات، حتى لا تتكرر الحصص لمن لا يستحقها، وضرورة تقسيم المناطق جغرافياً بين الجمعيات واللجان، حتى لا يتركز العطاء في محافظة دون أخرى، ولبيت الزكاة خبرة تفصيلية في ذلك، ومن المناسب أن ينقلها إليهم.

لا أريد أن أضيق واسعاً، ولا أمنع انتشار الخير، ولكن تنظيم العمل يساعد على استحقاق صاحب الحاجة بالزيادة، وآلية تحفظ كرامته، وتعفه عن السؤال.

ثالثاً: ضياع حق الأسر المتعففة: فبهذه الطرق التقليدية والعشوائية في التوزيع، ستحرم الأسر المتعففة الحقيقية من المساعدة، لأن فكرة الأسر المتعففة أنها لا تواجه الناس باحتياجاتها، ولا تقدم طلباً لمساعدتها.

رابعاً: عدم الخلط بين البيع والتوزيع: فكثير من التبرعات العينية من الملابس والأجهزة والأثاث يتم بيعها لوسطاء بالجملة بأسعار بخسة، ليعيدوا بيعها في سوق الجمعة، أو في الدول المجاورة، والأسوأ من ذلك أن يتم كبسها وبيعها لمصانع خارجية لإعادة التدوير، وهذا وضع طبيعي للملابس القديمة والبالية، لكن هناك مواد جديدة، وبعضها غالية، قد لا تنتبه لها الجمعيات.

وبالتالي أقترح على بيت الزكاة (كونه مؤسسة حكومية، لديه ميزانية وصلاحيات أكثر) تشييد مجمع خاص لتبرعات الملابس والمواد العينية بشكل عام، بحيث يتم فرزها يدوياً، فالبالي يكون للكبس والتصدير، وشبه الجديد والجديد يتم توزيعه على المحتاجين في الكويت وفق ملفات الحاجة، أو تصديره بالتنسيق مع الجمعيات التي تعمل في الخارج وتوزيعه هناك، والفائض يتم بيعه في الأسواق المحلية أو على مقاولين مختصين بهذا الشأن، وتأخذ كل جمعية حصتها من ذلك.

آمل أن أكون سلطت الضوء على إشكالية مهمة ومتكررة في العمل الخيري الكويتي فيما يخص توزيع الأغذية والملابس والمواد العينية، ولعلها فرصة أن يطرحها اتحاد الجمعيات والمبرات الخيرية في لقاءاته القادمة لمزيد من البحث والدراسة، قبل أن تفرض عليهم بعض القرارات من وزارة الشؤون تعطل عملهم.

Exit mobile version