التفكير الإيجابي

 

 القرآن الكريم يحفز الإنسان للتفكير الإيجابي الجاد الذي يعقبه فكر مستنير وسلوك راق، وذلك في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ {46}) (سبأ).

يقول الله تبارك وتعالى: ‎قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين ‎أنك مجنون: (إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ)؛ أي إنما آمركم بواحدة، وهي (أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ)؛ أي تقوموا قياماً خالصاً للّه عزَّ وجلَّ من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم بعضاً: هل بمحمد من جنون؟ فينصح بعضكم بعضاً (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)؛ أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم، ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ويتفكر في ‎ذلك. (تفسير ابن كثير).

ويُعَرَّفُ الفكر بأنه «إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول». (الحمداوي، العمل الإسلامي بدائل وخيارات).

وفي كل توجيهات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نجد التوجيه الواضح الجلي نحو التفكير الإيجابي، التي منها:

– التوجيه نحو العمل والإيجابية إلى أقصى حد يملكه الإنسان، فيقول صلى الله عليه وسلم: «إنْ قامَت الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا». (حديث صحيح).

– توجيه التفكير نحو إحسان الظن بالخالق سبحانه وتعالى في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسنُ الظنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ». (حديث صحيح).

– التفكير في استقبال القادم بخير وترك التحسر على الماضي: «المؤمِنُ القويُّ خيرٌ وأحبُ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ وفي كلٍّ خيرٌ احرِص على ما ينفعُكَ واستعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ فإن أصابَك شيءٌ فلا تقُلْ لو أنِّي فعلتُ كذا وَكذا ولَكن قل قدَّرَ اللَّهُ وما شاءَ فعلَ فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشَّيطانِ». (حديث حسن).

– التفكير الإيجابي بالإنفاق في سبيل الله، ويتمثل ذلك في سؤاله صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم: «أيُّكم مالُ وارثِهِ أحبُّ إليهِ من مالِهِ؟»، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما منَّا من أحدٍ، إلَّا مالُهُ أحبُّ إليهِ من مالِ وارثِهِ، قالَ رسولُ اللَّهِ: «اعلَموا، إنَّهُ ليسَ منكم مِن أحدٍ إلَّا مالُ وارثِهِ أحبُّ إليهِ من مالِهِ، مالُكَ ما قدَّمتَ، ومالُ وارثِكَ ما أخَّرتَ». (حديث صحيح).

ويكاد أن يكون التفاؤل الحسن هو التعريف المختصر للتفكير الإيجابي؛ «كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يعجبُهُ الفألُ الحسنُ، ويَكْرَهُ الطِّيرةَ». (إسناده صحيح).

والمؤسسة الربانية مؤسسة تنشد الحكمة والإتقان والتميز في جميع أعمالها ومشاريعها ومناشطها؛ لذا تهتم بالتفكير الإيجابي وتعرف أهميته من حيث:

– التجديد والإبداع في المشاريع التي يحتاج إليها الإنسان في كل إقليم ومكان بما يناسب حاجاته وظروفه وإمكاناته وقدراته استخداماً واستثماراً وإنتاجاً.

– التواصل البشري الفعال في المؤسسة الربانية القائم على الإيمان والأخوة والدعاء وحب الخير للغير وترك اللغو وكل ما يتنافى مع الصفات الإيمانية.

– التقييم المستمر للخطط والتوجهات والإستراتيجيات بمرونة ذهنية وثقة في التفكير وإبداع في اتخاذ القرار.

– التفكير الإيجابي يدفع أعضاء المؤسسة لتقديم أفضل ما لديهم من أفكار تجديدية ومشاريع إبداعية بمبادرات مدروسة دراسة واقعية وعميقة وعاقلة ورؤى للحاضر والمستقبل.

– إدخال تقنيات التخطيط والبرمجة في العمل المؤسسي حتى يكون في المؤسسة الحظ الأوفر من تكنولوجيا التعليم.

– تعزيز جانب المراجعة الفكرية لأهداف وقيم ووسائل المؤسسة: «ولذلك فإنه لا يحق لأي حركة إسلامية تُعلي من مرجعية التواصي بالحق، أن تغتر بكونها قد بلغت النضج النهائي، بمجرد أنها آمنت بالانتقال من التشدد إلى الاعتدال، ومن التطرف إلى الوسطية، ومن العنف إلى السلمية، ومن السر إلى العلن، فتَعْتَبر نفسها غير معنية بعد ذلك بقضية المراجعة والنقد الذاتي، بل هي مدعوَّةٌ دائماً إلى البحث عن الأفضل والأحسن والأجود..». (الحمداوي، العمل الإسلامي بدائل وخيارات).

– توليد الأفكار والحكم عليها: «الإبداع ليس مجرد توليد أفكار فقط؛ لأنه يقتضي أيضاً الحكم على هذه الأفكار، فالعملية تشمل التوسع في الأفكار الأولية واختبارها وتنقيحها وحتى رفضها وتفضيل أفكار أخرى..». (روبنسون، حرر أفكرك تعلّم أسرار الابتكار).

والحمد لله رب العالمين.

Exit mobile version