الاهتمام بآراء الشباب العربي.. الشكلي والفعلي

 

لعل أكثر ما يميز منطقتنا العربية فيما يتعلق بالفئات العمرية هو تركز ‏النسبة الكبرى منها ما بين الطفولة والشباب، حيث لا تقل نسبة الشباب (15 – 30 عاماً) عن الثلث في كل الدول العربية؛ وهو ما يشير لشبابية وحيوية منطقتنا، وما تحمله من بذور تقدمها وازدهارها وتأثيراتها المتنوعة، وتفرضه من طبيعة التعامل معها.

 مع هذه المعطيات، يزداد الاهتمام الكبير بقضايا الشباب، بغض النظر عن طبيعة هذا الاهتمام، وطرقه وغاياته ومداه؛ فنجد جهات حكومية وهيئات وجهات غير ربحية، تعنى بهذه الفئة العمرية وتخصص الملتقيات والمؤتمرات والجوائز والمنح والفرص وحتى يوم للشباب وغيرها.

محرك فاعل

وفي خضم هذه التطورات ومع أحداث «الربيع العربي»، وما تبعه من تطورات قلبت منطقتنا العربية، أصبح ينظر لشريحة الشباب كمحرك فاعل، ليس فقط في الجوانب الاجتماعية، وإنما في التغيرات السياسية، وهو من أهم الدروس المستفادة، ولعل ما جاء في مقال سابق للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «علمتنا منطقتنا، وعبر أحداث رهيبة مرت بها في السنوات الأخيرة، أن عدم الاستجابة لتطلعات الشباب، الذين يمثلون أكثر من نصف مجتمعاتنا العربية، هو سباحة في عكس التيار، وبداية النهاية للتنمية والاستقرار»، تعبر عن هذا الهاجس بشكل صريح ومباشر، بضرورة الاهتمام بالشباب بواقعية وحسن نية؛ من باب إرضاء طموحاتهم، وتلبيه مطالبهم؛ للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ‏والسياسي للبلاد، ولذا وجه حكومته بضرورة الاستماع للشباب، وأن تنقل له الحلول من وجهة نظر الشباب؛ حتى تستطيع الحكومة خلق بيئة أفضل لهم؛ ليستطيعوا تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.

أولويات مُلحة

ولذا يلاحظ زيادة مظاهر الاهتمام بالشباب ومعرفة توجهاتهم وطريقة التعامل مع تنفيذ بعض المشاريع التي سعت للبحث والتنقيب في عقول الشباب وما يفكرون به وفي ميادين ومجالات متنوعة، فهناك عدة مسوحات أطلقت خاصة للشباب على مستوى الدولة أو على المستوى العربي، وخصص مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في السعودية عام 2013م اللقاء الرابع من حوارات المركز للاستماع لمقترحات الشباب ووجهات نظرهم حول عدد من القضايا التي تهمهم، وتم تنفيذ دراسة خاصة حول تطلعات الشباب.

 ومن الجوانب المهمة المرتبطة بالشباب وعلى صعيد البحث العلمي، معرفة الأولويات والاهتمامات بمختلف أنماطها؛ لذا اعتنت العديد من الدراسات واستطلاعات الرأي بالتعرف على هذه الأولويات والاهتمامات، واعتبارها ضرورة مُلحّة في الحاضر والمستقبل، بالإضافة لمواضيع أخرى، مثل: المشكلات التي تواجههم، والتعليم، وفرص العمل، والمسكن، والزواج، والانتماء، ومؤخراً الإرهاب والتطرف؛ مما أضفى على الاهتمام بقضايا الشباب بُعداً سياسياً وإستراتيجياً وأمنياً لا يمكن تجاهله، وأصبح البحث عن الشباب في محرك “جوجل” –على سبيل المثال- مرتبطاً بمشكلاتهم بما يوازي عشرين ضعفاً من إنجازاتهم، كما بينت بعض الدراسات.

وكما تأسس عدد من مراكز الدراسات المتخصصة في بحوث الشباب، وبعض الكراسي البحثية والمراكز في الجامعات، وانطلقت بعض المشاريع التي تقيس رأي الشباب العربي ومنها “استطلاع أصداء بيرسون مارستيلر للشباب العربي” (ASDA’A Burson-Marsteller Arab Youth Survey)  منذ عام 2008م، وكما أجرى مركز الجزيرة للدراسات استطلاعاً لرأي الشباب في بلدان “الربيع العربي” لمعرفة توجهاتهم إزاء تطورات أوضاع بلدانهم بعد الثورة، وشمل الاستطلاع دول “الربيع العربي” الأربع: تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وبحث أربعة محاور توزعت على قضايا الهوية والانتماء وأسباب الثورة وعوامل نجاحها وتقييم الثورة ومستقبلها.

وفي عام 2016م أجرت مؤسسة طابة ومقرها الإمارات العربية المتحدة استطلاعاً عن مواقف جيل الشباب العربي المسلم من الدين وعلمائه ودعاته.

‏وبالنظرة المتعمقة والتحليلية لتلك الجهود الحكومية وربما غيرها، نجد أنها تتصف بالموسمية؛ حيث يبدو أن الاستماع للشباب ما زال يتأثر بالأزمات وسد الفجوات وملء الفراغات، الحادث منها والطارئ، أكثر من أن يكون مشروعاً إستراتيجياً دورياً ممتداً لعشرات السنين، وكما أن ثمة توظيفاً للنتائج بطرق إيجابية ينبغي تعزيزها، وسلبية أحياناً ينبغي تجاوزها.

وفي الواقع، يبدو أنه ليس الحكومات فقط هي من تهتم بالشباب، فقد جاء في إحدى نتائج استطلاع رأي مركز الآراء الخليجية مؤخراً لعام 2018م حول الصورة الذهنية عن جمعية الإصلاح الاجتماعي بأن الفئة التي يطالب المجتمع الكويتي الاهتمام بها أكثر هي فئة الشباب بنسبة تفوق ثلاثة أضعاف غيرها من الفئات، وهو ما يدل على أهمية فئة الشباب ودورها وتأثيرها على المجتمع.

Exit mobile version