المعايير الإيمانية والتربوية للمؤسسة الربانية (5)

 

الصدق.. المصداقية.. الشفافية

 

النور الثاني عشر من أنوار الفطنة كما عده الراشد حفظه الله صاحب كتاب العوائق هو: المبالغة في الصدق يوم الفتنة..!

لا شك ولا ريب أن مؤسسة ربانية تريد الخير وتدعو للخير لا بد أن تعتمد الصدق معياراً ونوراً وهادياً لها في تعاملها وتعاطيها مع الأحداث صغيرها وكبيرها، فتزدان بالمصداقية، وتتصدر بأدق معايير الشفافية حال فحصها لتجديد اعتمادها أو لم تتعاقد مع من يجدد اعتمادها.

يحدوها قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ {119}) (التوبة)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ، فإنَّ الصِّدقَ طُمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبةٌ» (رواه الترمذي وهو صحيح).

فالمؤسسة الربانية إدارة وأفراداً قد جعلوا الصدق رائدهم في جميع معاملاتهم ومشاريعهم وعلاقاتهم ووعودهم وعهودهم وعقودهم، مقتنعين أنهم بغير الصدق والمصداقية والشفافية لم يبلغوا الجودة والتميز، ولن يصلوا إلى رؤية يحلمون بها أو رسالة تنافسية يسعون لها ويخططون.

ويجب أن يتمثلوا الصدق بالآتي:

– الصدق مع النفس بالمحاسبة والمراقبة والمتابعة من تصحيح القصد والنية، والعمل إلى إنكار الذات والتواضع برغبة جامحة للتطوير الذاتي بما يواكب العصر والزمان والمكان، مبتغين ما عند الله والدار الآخرة؛ (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83}) (القصص).

– الصدق مع الناس تعاملاً وعهوداً ووعوداً وعقوداً، لقد أحب الناس في مكة الصادق الأمين رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ورضوه حكماً أميناً يحكّمونه في قضاياهم ويضعون عنده أماناتهم، فقيادة الناس بالصدق تكون، والأمانة تزكو وتنمو وتزداد وتتطور، والصادق الواحد إنما هو قائد بل من صناع الحياة!

فهذا الإمام الدارمي يحدث عن شيخه الحافظ المحدث إسحاق بن راهويه الحنظلي فيقول: «ساد إسحاق أهل المشرق والمغرب بصدقه» (الراشد، العوائق).

– الصدق في الإدارة والتوظيف ومنح المناصب، فلا يتم ذلك إلا وفق معايير المؤسسة التي وضعتها وارتضتها للوصول إلى تطبيق رؤيتها ورسالتها الطموحة الواعدة المتناغمة مع قيمها؛ (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ {55}) (يوسف)، (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {26}) (القصص).

– صدق القيادة والتوجيه وحسن الإدارة؛ «بحيث لا يشعر الناس -إذ نقودهم- أننا نعاملهم من موطن فوقي أو عَبر حق ندّعيه ونحتكره دونهم، وإنما ندعهم يحسون أننا نحمل همومهم، ونتكلم بلغاتهم، ونتجانس مع عواطفهم، وندلي بالرأي لا بلهجة الآمر، وإنما بهيئة الناصح المشير الخبير، الذي ارتاد لقومه وأطْلعته الريادة على ما لا يعلمون» (الراشد، صناعة الحياة).

وصدق القيادة وحسن الإدارة مع الذي اختار العمل كعضو عامل في المؤسسة فيجب تعليمه وتطويره وتنمية قدراته وإرشاده ومتابعته حتى يخضع لمعايير العمل والالتزام في المؤسسة التي ارتضاها، والإنصاف مطلوب مكافأة وترقية أو محاسبة وعقوبة.

فوائد الصدق في المؤسسة:

– طاعة وانقياد لتوجيه كتاب الله تعالى وسُنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

– تشرف المؤسسة وتشرق بالصدق والصادقين، يقول إياس بن معاوية رحمه الله تعالى: «امتحنت خصال الرجال، فوجدت أشرفها صدق اللسان» (الراشد، العوائق).

– ازدياد ثقة الناس بالصادقين في جميع أنحاء الدنيا.

– اطمئنان الناس موظفين عاملين أو عملاء على حقوقهم الأدبية والمادية والإنسانية الأدبية.

– الصدق برٌّ وهداية لكل العاملين والعملاء في المؤسسة الربانية،  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصِّدقَ برٌّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وإنَّ العبدَ ليتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صدِّيقًا، وإنَّ الكذبَ فجورٌ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ، وإنَّ العبدَ ليتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ كذَّابًا» (رواه مسلم).

وصدق الله تعالى: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {119}) (المائدة).

والحمد لله رب العالمين.

Exit mobile version