المطوع وتقي مثالان للورع والتقوى

لقد حثنا ديننا الإسلامي العظيم على التحلي بالأخلاق الكريمة، ومن أسمى تلك الأخلاق وأفضلها الورع والتقوى والإيثار، وتحري الكسب الحلال بالطرق المشروعة، وقد وردت في القرآن الكريم أكثر من آية فيها توجيه رباني إلى المؤمنين بعدم أكل أموال الناس بالباطل، والحرص على التجارة بالتراضي وسماحة النفس.

وفي هذا السياق، تم اقتباس هذه القصة الواقعية (من كتاب فضيلة الشيخ عبدالله النوري رحمه الله “حكايات من الكويت” – من منشورات ذات السلاسل – 1985م – ص 67 – 71) التي تتجسد فيها أسمى معاني الورع والتقوى والإيثار، وفيها أن الحاج تقي وقف على محل الحاج عبدالعزيز يسأله عن كمية القهوة التي عنده قائلاً: هل تبيعني القهوة يا أبا محمد؟ قال عبدالعزيز: بكم؟ فعرض تقي على عبدالعزيز سعراً لها كان يكسب عبدالعزيز ربحاً وهو يرغب بأكثر منه، ولم يجب عبدالعزيز، ودخلا في موضوع آخر ثم تشعب بينهما الحديث وتركا موضوع القهوة.

وقام تقي إلى محله، وكان عبدالعزيز قد نوى البيع على تقي وأضمره في نفسه وتقي لا يعلم بهذا النية لأنها كانت بعد فراقهما، وكانت العادة أن يقول البائع للمشتري: “الله يفتح عليك” ولم يقلها عبدالعزيز.

مرت الأيام ونسي تقي موضوع القهوة، وارتفع سعر القهوة بالسوق ثم زاد السعر وعبدالعزيز لم يتصرف بالقهوة، وراجعه تجار فقال لهم: ليس عندي قهوة، وأرسل عبدالعزيز إلى تقي ليأتيه، وجاء تقي، وقال له عبدالعزيز: شيل قهوتك يا تقي، لكن تقياً فتح عينيه وقال: أي قهوة؟ قال عبدالعزيز: التي اشتريتها من أسبوعين، تذكر تقي الأمر وقال: نعم سمت منك القهوة فلم تبعني ولم تقل لي: “الله يفتح عليك”، قال عبدالعزيز: ولكني نويت البيع لك، قال تقي: ولكني لم أنو الشراء منك، قال عبدالعزيز: شيل قهوتك يا رجل، وقال تقي: ليس لي عندك قهوة، وطال بينهما الجدل وذهب تقي إلى محله وتبعه عبدالعزيز يسأله بالله أن يشيل القهوة خوفاً من أن يجره بقاؤها إلى الحرام، ولم يرض تقي بذلك لأنه لا يرضى أن يدخل الحرام في رزقه فيمحق بركته.

ومع إصرار كلٍّ من عبدالعزيز وتقي على رأيهما وخوفهما من أن يدخل الحرام إلى أي منهما، اتفقا أن يُرفع الأمر إلى الشيوخ، ورفع عبدالعزيز الشكوى إلى الشيخ الأمير عبدالله الصباح رحمه الله.

وحضر المتخاصمان وكل منهما متمسك برأيه، فقال الشيخ: هل ترضون بحكمي، قال عبدالعزيز: قد أتنياك راضيين ولأمرك طائعين، قال الشيخ الأمير: حكمت صلحاً بأن يأخذ تقي نصف القهوة بالثمن الذي نويت يا عبدالعزيز به البيع عليه، وأن يبقى لك نصف القهوة تبيعها لمن تشاء بسعر الوقت الحاضر، وقوما راشدين إن شاء الله، وأطاع كل من عبدالعزيز وتقي أمر الشيخ وربح كل من نصيبه خيراً كثيراً.

وبكى الأمير فاستنكر الحاضرون منه بكاءه وسألوه ما يبكيه قال: ذكرت الكلمة المشهورة “كل عام ترذلون”، أما والله إني لأخاف أشد الخوف من زمان سيأتي لا يعرف فيه الناس حلالاً ولا حراماً يعرفون المنكر وينكرون المعروف، وقال القوم: “نعوذ بالله من ذلك يا طويل العمر”.

وهكذا ذهب المال وذهب الرجال وبقي ما هو أعظم وأبقى، بقي الذكر الحسن الذي تتحدث به الأجيال جيل بعد جيل (يقول فضيلة الشيخ عبدالله النوري رحمه الله: قَصَ عليَّ هذه القصة أحمد بن يعقوب المحيميد، وبطلها عبدالعزيز المطوع جد العائلة المعروفة من القناعات، والحاج تقي المشهور بأبي صالح).

 WWW.ajkharafi.com

Exit mobile version