شكراً أمير الكويت.. ولنحذر حريق الأقصى الجديد

يؤكد سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح أنه قائد الحكمة في العالم العربي والإسلامي، بتكرار مواقف ثابتة وعاقلة وحيادية بين الأشقاء والأصدقاء، وتعامل بضبط النفس مع الأحداث العدائية، وتجاوز كل مشاكل وتعديات الآخرين، حتى يعبر بالسفينة وسط الأمواج المتلاطمة إلى بر الأمان.

وأشبه وضع الكويت بالقارب الصغير وسط البحر، إذا مرت بجانبه سفينة كبيرة أو حوت ضخم، أتت موجات البحر تتقلب حوله حتى يكاد أن ينقلب القارب الصغير، فتبرز هنا حنكة وخبرة النوخذة في الخروج من هذه المعمعة.

لقد استثار قرار الرئيس الأمريكي ترمب العالم العربي والغربي والشرقي، والعالم الإسلامي والمسيحي واليهودي؛ عندما أعلن نقل السفارة الأمريكية في فلسطين إلى القدس، متحديا بذلك العالم كله، ولم يكتف بذلك؛ فقد هدد الدول التي تتلقى مساعدات من أمريكا وتصوت ضده بقطع المساعدات، مؤكداً أن أمريكا بدأت تساوم على المساعدات التي قدمتها للعالم بعدما أفقرتها، وأنها لم تقدمها من جانب إنساني، بقدر ما هو جانب سياسي، وهذا لعمري تسييس للعمل الإنساني، وإرهاب مبرمج للمحتاجين.

لذا.. فقد استجاب سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مباشرة لدعوة أخيه رجب طيب أردوغان رئيس تركيا لحضور الدورة الطارئة لمؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، لمناقشة موضوع نقل السفارة، والتي شارك فيها عدد من رؤساء العالم الإسلامي، ممن استشعروا المسؤولية الدينية والأخلاقية والسياسية تجاه المسجد الأقصى والقدس وفلسطين، وأدركوا خطورة تلك الخطوة التي اتخذتها أمريكا دون مراعاة الاتفاقيات الدولية السابقة، ودون أدنى احترام للوضع القانوني والسياسي لمدينة القدس الشريف.

وأعاد سمو الأمير إلى الأذهان حرق المسجد الأقصى من قبل اليهود قبل خمسة عقود، والذي تنادت على أثره الدول الإسلامية لإنشاء منظمة التعاون الإسلامي، وها قد جاء دور أعضاء المنظمة لأن يهبوا لنصرة القدس الشريف، والحفاظ على الهوية الإنسانية والتاريخية والقانونية له، ومواجهة القرار الجائر باعتراف أمريكا بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارتها إليها، باعتباره قرارا أحاديا يشكل انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

لقد ادعت أمريكا أنها تحارب الإرهاب في المنطقة، وعملت الدول العربية على محاربة التنظيمات الإرهابية، إلا أن القرار الأمريكي الأخير بشأن القدس – كما قال سموه – يعد تراجعا وتعطيلا لجهودنا جميعا، وتغذية لبؤر التوتر في منطقتنا، وتحفيزا للإرهاب.

ولم يفت سموه الإشادة بالموقف الدولي الرافض للقرار الأمريكي في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، وجامعة الدول العربية، ومواقف العديد من شعوب الأرض التي نددت بذلك القرار.

ولفت سموه إلى إشارة هامة؛ بأنه إذا كان الموقف الدولي بكافة هيئاته الرسمية والشعبية قد اتخذ هذا الموقف، فأين الصواب في الموقف الأمريكي الأحادي؟!

ولم يقف سموه مكتوف اليدين والاكتفاء بالأماني، فقد دعا منظمة التعاون الإسلامي   وبالتعاون مع التكتلات الآسيوية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي واتحاد دول أمريكا اللاتينية والكاريبي والتكتلات الإقليمية الأخرى للضغط على أمريكا للتراجع عن هذا القرار الأحادي بالاعتراف بالقدس الشريف عاصمة لإسرائيل، الذي يمس كافة الأديان السماوية، ويشكل إضرارا بعملية السلام، وإخلالا بعملية التفاوض المتوازنة، خصوصا وأنها راعية لعملية السلام.

لا ينكر أحد أن الشرارة الأولى للمقاومة الفلسطينية انطلقت من الكويت، بظهور قادة الحركات السياسية ومؤسساتها فيها، وبقي مقر “فتح” في الكويت لأكثر من 30 سنة، ومن الكويت انطلقت “حماس”، ورعت الكويت العديد من الحملات الإغاثية لعموم فلسطين وخصوص غزة، وستبقى الكويت حكومة وشعبا محبين لفلسطين وشعبها، دينا وخلقا دون أي مصلحة سياسية أو اقتصادية، وسيكون العمل لأجل فلسطين والقدس والمسجد الأقصى بالحكمة والحنكة والعقل.

شكرا سمو الأمير على هذا الموقف الرائع تجاه القدس والمسجد الأقصى، وهذا ما عهدناه من السلطة السياسية منذ القدم، وشكرا للشعب الكويتي على وقفته الرائعة، وشكرا للإعلام الكويتي على مواكبته الحدث أولا بأول، ودعمه للموقف الفلسطيني، واسأل الله عز وجل أن يفك أسر المسجد الأقصى من الكيان الصهيوني وأعوانه، عاجلا غير آجل، ولن يتحقق ذلك إلا بعودة المسلمين (وأولهم العرب) إلى دينهم.

إن احتلال اليهود لفلسطين لم يأت لولا دعم عسكري بريطاني قبل 100 سنة، وحرق اليهود المسجد الأقصى قبل 5 عقود لم يأت دون دعم سياسي ولوجستي، واستمرار بقاء الكيان الصهيوني جاثما على قلب الفلسطينيين لم يأت لولا دعم أمريكي، والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى لم تأت لولا دعم دول كبرى، فلنحذر من حريق أو تدمير قادم للمسجد الأقصى بحجج واهية، ويليه اعتداءات مبرمجة لمسجد الخليل وكنيسة القيامة، وكل ذلك سيتم بدعم غربي، وصمت عربي إسلامي مسيحي، حينها لا ينفع الندم، ولن تنفع الكراسي أصحابها من الخيانة. اللهم سلم.

Exit mobile version