التاجر عبدالله حمود الجار الله الخرافي مثال للإيثار والتضحية

إن ديننا الإسلامي الحنيف يدعونا إلى التحلي بالأخلاق الكريمة، ومن جملة تلك الأخلاق الإيثار والتضحية، والإيثار خلق عظيم من أهم محاسن الأخلاق الإسلاميَّة، فهو مرتبة عالية مِن مراتب البذل، ومنزلة عظيمة مِن منازل العطاء، لذا أثنى الله سبحانه وتعالى على أصحابه، ومدح المتحلِّين به، وبيَّن أنَّهم المفلحون في الدُّنْيا والآخرة، وقد اتصف به أنصار النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فزكاهم المولى سبحانه وتعالى بأن ذكرهم في القرآن الكريم بهذا الوصف الجميل، فقال سبحانه تعالي ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: 9).

وتعد التضحية صورة من صور الإيثار وجزءاً لا يتجزأ منه، إذ إن التضحية تقوم على تعريض النفس أو المال أو الأهل أو الوقت أو أي شيء يملكه الإنسان معنوياً كان أو مادياً من أجل إنقاذ الآخرين.

وهذا ما سوف نستعرضه في هذه القصة الواقعية التي رواها العم محمد أحمد الرشيد، عضو مجلس الأمة الأسبق، رحمه الله، الذي عايش الموقف بنفسه على ظهر السفينة الشراعية التي تتجسد فيها أسمى معاني الإيثار والتضحية من أجل الآخرين.

وفيها أن التاجر عبدالله حمود الجارالله الخرافي (الوالد رحمه الله) كان مسافراً مع بضاعته “النول” في سفينة نوخذها هو ناصر عبدالوهاب القطامي، رحمه الله، وكان معه على السفينة عدد لا بأس به من تجار الكويت الكرام، وكانت السفينة محملة بالتمور والبضائع في طريقها إلى الهند، وكانت بضاعة التاجر عبدالله الجارالله الخرافي مرصوصة في أعلى البضائع، وكان العرف في ذلك الوقت أنه عندما تتعرض السفينة لخطر ما يهدد سلامتها، ويضطر ركابها إلى التضحية بأمتعتها في سبيل نجاتها ونجاة من عليها من ركاب، أو نجاة البضائع المحملة عليها أن تتم التضحية بالبضاعة العلوية، وهذا ما حدث بالفعل لتلك السفينة، حيث تلاطمت الأمواج، وهدد السفينة طوفان جارف، وفي هذه الأثناء شعر ركاب السفينة بالخطر على أنفسهم أولاً ثم على ما يحملون من بضاعة وأمتعة ثانياً، هنا بادرهم التاجر عبدالله حمود الجارالله الخرافي رحمه الله قائلاً: “تكفون قطوا (ألقوا في البحر) حلالي”، تعجب الجميع من إلحاحه وسرعة بديهته وتضحيته، وانتاب الجميع شعور بالحيرة والقلق فهم بين أمرين أحلاهما مر: فإما أن يضحوا بحلال الرجل (التاجر عبدالله) الذي بادر مشكوراً وفيها خسارته ونجاة الأنفس والبضائع، والأمر الثاني الانتظار حتى تهدأ الأمواج والعواصف وذلك الطوفان الجارف، وفيه مجازفة وقد تكون مغامرة محفوفة بالمخاطر، قد تعرضهم جميعاً للهلاك والضياع.

ولم تستمر الحيرة والقلق طويلاً مع إصرار وإلحاح التاجر عبدالله حمود الجارالله الخرافي رحمه الله وهو يرجوهم جميعاً أن يرموا حلاله وهو راضي النفس مطمئن البال لذلك الفعل، وهو يكرر عليهم قوله: “تكفون قطوا حلالي”، فاستجابوا لذلك النداء وبدؤوا في إلقاء الحمولة والبضاعة الخاصة بالتاجر عبدالله الخرافي في البحر لكي ينجوا جميعاً وتنجو سفينتهم، وكانوا أثناء رمي البضاعة يقولون عبارة متعارف عليها في مثل هذه الحالات وهي عبارة رائعة من تراثنا الكويتي القديم “وأنا شبيدي، يخلف الله”، ومعناها أن الأمر كله لله سبحانه تعالى، وليس لأحد أن يتدخل في ذلك الأمر، وهو سبحانه وتعالى قادر على أن يعوض صاحب الخسارة بخير منها.

وهكذا ضرب لنا التاجر عبدالله حمود الجارالله الخرافي رحمه الله مثالاً حياً يُحتذى به في الإيثار والتضحية، واتضح لنا من هذه القصة الرائعة أن هذه الأخلاق الجليلة والفاضلة من تضحية وإيثار وحب الخير للغير كانت متأصلة في آبائنا الكرام من التجار الأوائل الذين تربوا عليها وتأصلت فيهم جيلاً بعد جيل.

Exit mobile version