التاجران بهبهاني والدعيج مثالان رائعان للإيثار

لقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة في الإيثار وحب الخير للغير، وكذلك في الوفاء بالعهد حتى ولو كانت مجرد كلمة أو اتفاق شفوي، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية.

وجاء فيها أن التاجر علي رضا بهبهاني كان من تجار القمح المعروفين في الكويت في فترة الأربعينيات والخمسينيات، وكان التاجر عبدالعزيز الدعيج أيضاً من التجار المعروفين في مجال تجارة الحبوب والغلال، وفي أثناء مرور التاجر عبدالعزيز الدعيج بالسوق مر على مخزن التاجر علي رضا بهبهاني وسأله عن كمية كبيرة من القمح يريد شراءها، فأجابه التاجر بهبهاني بأن المخزن مملوء والحمد لله، وأردف التاجر بهبهاني قائلاً: “اتفضل المخزن تحت أمرك، خذ الكمية اللي تريدها”، فسأله التاجر الدعيج: “بكم تبيع لي القمح بالمخزن كاملاً؟”، فأجابه التاجر بهبهاني: “الكيلو بروبيتين”، فقال التاجر الدعيج: “وأنا اشتريت”، ومضى التاجر الدعيج إلى حال سبيله، ومضى على هذا الموقف قرابة شهرين أو ثلاثة أشهر، وكانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت خلال تلك الفترة، فكانت سبباً في منع الاستيراد من خارج الكويت، ومنعت بسببها كذلك الكثير من المواد الغذائية من دخول البلاد والتي من أهمها القمح؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار القمح بالسوق بصورة غير طبيعية فاقت كل التصورات؛ لدرجة أن كيلو القمح وصل سعرة بالسوق إلى 102 روبية بعد أن كان سعره قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية روبيتين فقط، ونظراً لأن القمح كان يمثل السلعة الغذائية الرئيسة في ذلك الوقت، فقد واصل ارتفاعه حتى وصل إلى هذا السعر المرتفع جداً.

وفي تلك الأثناء مر التاجر عبدالعزيز الدعيج على التاجر علي رضا بهبهاني، فقال له التاجر بهبهاني: “لماذا لم تأت لتأخذ القمح الخاص بك والذي اشتريته مني؟”، فرد التاجر الدعيج متعجباً: “أي قمح؟! أنا ما دفعتُ فلوساً!”، فقال له التاجر بهبهاني: “أنت قلت اشتريت، وأنا وافقت، وانتهت المسألة، وهذا القمح ملك لك”، فقال له التاجر الدعيج: “إذن أدفع ثمنه على سعر اليوم”، فرد عليه التاجر بهبهاني: “لا ، تدفع على السعر القديم روبيتين للكيلو مثل ما اتفقنا”، وصار بينهما جدال كل منهما مُصر على موقفه، التاجر بهبهاني مقتنع أنه باع القمح ووافق على سعره القديم روبيتين للكيلو، والتاجر الدعيج يرى أن في ذلك ظلماً للتاجر بهبهاني فهو لم يدفع الفلوس وقتها، وأن سعر القمح بالسوق قد ارتفع كثيراً ولا بد أن يشتريه على سعره الجديد.

وأمام هذا الجدال المحمود والمعاتبة الطيبة التي قلما نجدها في هذه الأيام، فكل منهما يريد مصلحة الطرف الآخر، لم يجد التاجران بداً من الذهاب إلى الحاكم الشيخ عبدالله الجابر رحمه الله تعالى، الذي تعجب من قصتهما، وقال لهما سعيداً مسروراً: “الحمد لله الذي جعل من أبناء الكويت من يختصم عند الحاكم لمصلحة أخيه، ولكني لا أستطيع أن أقضي بينكما، فاذهبا إلى القاضي، وأسأل الله أن يبارك لكما”.

ولم تنتهِ القصة بعد عند هذا الحد، ولكن التاجرين الدعيج، وبهبهاني أصرا على الذهاب إلى القاضي، وكان القاضي آنذاك المرحوم بإذن الله تعالى عبدالعزيز حمادة، الذي قال لهما: “كلاكما على صواب، ولكن اتفقا بينكما على سعر يرضيكما معاً، ودعا لهما أيضاً بالبركة”.

هكذا وضحت هذه القصة الواقعية ما تمتع به أهل الكويت في كويت الماضي من صفات جليلة وأخلاق نبيلة، فكانوا أمثلة حية يُحتذى بها في الإيثار والوفاء بالكلمة وحب الخير للغير.

Exit mobile version