لمن يتناسى التاريخ

عندما قرر التيار الإسلامي في الكويت الدخول في معترك العمل السياسي في عام 1981م، كان واضعاً نصب عينيه أهمية دور المؤسسة التشريعية وقوة تأثيرها في الحياة العامة، وتبنى منذ اليوم الأول، خطاً إسلامياً ووطنياً واضحاً، وكلنا يذكر موقفهم القوي من مشروع الحكومة بتعديل الدستور وتحركهم خارج المجلس أيضاً بتشكيل اللجان الشعبية لتكوين رأي عام معارض لهذا التعديل، وشارك الجميع لإلغاء المقترح الحكومي وسحبه.

وفي مجلس 1985م استمر التيار في الخط نفسه، فبعد ظهور النتائج مباشرة وإعلان كل من أحمد السعدون وجاسم الخرافي ترشّحهما للرئاسة، ذهبنا إلى الخرافي، وكانت تربطنا به علاقة مميزة في مجلس 1981م، وأخبرناه أن المرحلة تحتاج إلى السعدون رئيساً، واعتذرنا له، مما اضطره إلى الانسحاب وقبوله المنصب الوزاري المعروض عليه، ثم شاركنا في استجواب وزير العدل الشيخ سلمان الدعيج – الرجل القوي في الحكومة آنذاك – ومارسنا دور المعارضة المتزنة، ولم نحد عنه قيد أنملة. وفي مجلس 1992م كان بمتناول يدنا منصب رئاسة مجلس الأمة، إلا أننا لم نقبل أن يكون للحكومة علينا فضل في هذا المنصب، فدخلنا في تصفيات نيابية – نيابية، حتى لا نعطي للحكومة فرصة التأثير، فأصبح الطريق سالكاً للسعدون، الذي صوتنا له في الافتتاح ضد عبدالعزيز العدساني، وشاركنا لأول مرة في الحكومة مع جميع القوى السياسية، ومع هذا كانت مواقفنا جميعها تصب في المصلحة العامة.

ومارسنا دورنا الرقابي، فاستجوبنا وزير التربية، وكشفنا التلاعب في صفقات الأسلحة، وتمكّنا من إيقاف الفساد فيها، وكان لنا دور في استجواب عدد من الوزراء في مجلسي 1996 و 1999م، وشكلنا أكبر كتلة للمعارضة في هذين المجلسين (الكتلة الإسلامية)، ولم نترك شاردة ولا واردة فيها مصلحة للوطن والمواطن إلا كُنّا أول المبادرين لها. واستمر خط التيار ومنهجه طوال مسيرته النيابية، وضحّينا بمنصب نائب رئيس الوزراء، الذي كان يتقلده د. إسماعيل الشطي، بسبب رفضه الاستقالة من الحكومة التي عارضت تعديل الدوائر الانتخابية، وتم فصله من التيار احتراماً للمبدأ، وشارك التيار في ساحة الإرادة، ووقف مع الآخرين في دعم المطالبة بإقالة الحكومة، وشاركت كل قواعده في الزخم الشعبي، والناس يعرفون كل تيار وإمكاناته البشرية، وتمت إقالة رئيس الحكومة وتحميل الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) مسؤولية هذا الضغط الجماهيري، واستمر التيار في مواقفه المشرفة.

وبعد مرسوم الصوت الواحد قررت المعارضة عمل مسيرات سلمية احتجاجية، وشاركنا في جميع هذه المسيرات السلمية، مطالبين بإلغاء الصوت الواحد، وفوجئنا بحجم العنف غير المبرر لتحجيم الحراك الشعبي، وكنا نظن أن الحراك السلمي سيساهم في الضغط على الحكومة كما فعلنا في 2012م، لكن تقديرنا لم يكن سليماً، وتعرضت مصالح الحركة للخطر والتضييق، وحورب أتباعها في كل الوزارات، وضُيِّق عليهم في أرزاقهم، وحُرم كل من هو محسوب عليها من أبسط حقوقه الوظيفية، وشُنَّت عليها وعلى رموزها حملة إعلامية جائرة من خلال التشويه والأباطيل، وأصبح كل من يريد أن يتقرب إلى الحكومة يشتم الحركة الدستورية أو يغرِّد ضدها، ثم يأتي من خلف الأسوار من يدعي أن الحركة صارت حكومية!

لقد عانت الحركة من الضرر، والصبر على الظلم، ما لم يعانه أي تيار آخر، مع استثناء ما حدث لمسلم البراك!

واليوم، الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها. اليوم، العالم كله يمر بمرحلة استثنائية، ولابد من التعامل وفقاً للممكن من دون الإخلال بالمبدأ، والسياسة هي فن الممكن، فإن كان هدف المشاركة في مجلس الأمة تحقيق مصالح البلاد والعباد، فاليوم إن كانت بعض هذه المصالح تتحقق بالتفاهم مع الحكومة من دون خلل بالممارسة الدستورية، فأنعم بها وأكرم، ولا مانع في تأجيل بعض الأدوات إذا كان في ذلك منفعة واسعة، ليس للتيار، بل للمواطنين أو بعضهم!

طول عمرنا ننتقد رئيس الحكومة ونجرح في حكومته، وكثيراً ما انتقدنا رئيس مجلس الأمة في مواقف عدة، فما الضرر من مدحهما إذا بدر منهما موقف إيجابي تتحقق منه مصلحة لمواطنين وليس للحركة؟!.. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (المائدة: 8).

انظروا لمن يضرب في الحركة، عموماً، ستجدونه ممن تتشرف الحركة بخصومته «وإذا أتتك مذمتي..»! ويحز في أنفسنا أن يصطف معه من نحرص على العمل معهم، ويهمنا أمرهم، لكنه الزمن الذي يصبح فيه الحليم حيران!

Exit mobile version