من منظومة القيم الوظيفية التميز والإبداع

لقد حثنا ديننا الإسلامي الحنيف على التميز والإبداع، وبذل الجهود للوصول إلى الغايات وتحقيق الآمال على جميع المستويات الدينية والدنيوية، أليس الوصول إلى الجنة هو الأمنية التي لا تدانيها أمنية؟ والمطلب الذي لا يعلوه مطلب؟ والغاية الكبرى لنا جميعاً؟ فكيف حدثنا الله سبحانه وتعالى للوصول لتلك الغاية العظيمة؟ والإجابة في سياق هذه الآية الكريمة، يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ”(آل عمران:142)؛ أي: هل تريدون أن تحققوا أمنياتكم دون جهد وجهاد ومشقة وتعب وصبر وتحمل وجلد؟ يعلمنا المولى سبحانه وتعالى أن بذل الجهد والتميز هو سبيل تحقيق الغايات.

وعن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه من أهل الصفة أنه قال: “كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: سلني، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود” (رواه مسلم: 489)، وفيه توجيه نبوي كريم على بذل الأسباب والتميز في الأعمال حتى ننال الرضا والثواب العظيم.

والتميز والإبداع مطلبان مهمان تبحث عنهما النفوس، وتسعى وراءهما العقول، وتهوى إليهما الأفئدة، ولا يكاد يوجد إنسان على ظهر الأرض إلا وهو يبحث عن الإبداع والتميز أو التفرد المطلق أو الشعور بالتفوق على الآخرين، بل إن البعض يريد أن يتفوق على ذاته في بعض الأمور التي أنجزها من قبل ويريد إنجازها مرة أخرى، وعلى ذلك فالتميز صفة المجتهدين، وشيمة المتميزين.

والسؤال الآن: كيف أكون موظفاً مميزاً ومبدعاً في عملي ووظيفتي؟  بداية وقبل كل شيء لا بد أن نوضح أن هناك فرقاً بين حياة التميز والإبداع والريادة، والسكون والخمول والروتين، فمن أراد لنفسه التميز وطلب الإبداع والتفوق عليه أن يتحمل المشقة التي لولاها لساد الناس جميعاً وتميزوا وظهروا ونبغوا وعلا شأنهم وذكرهم، مشقة العلم والعمل والمثابرة، مشقة الصبر والتحمل والمواصلة، مشقة الجد والاجتهاد والعطاء، هذه المشقات هي التي ميزت العلماء والأدباء والمفكرين والمتميزين والمبدعين في جميع المجالات عن غيرهم، فالتميز والإبداع هما خياران واضحان لطريق لا مجال فيه للراحة ولا الخمول أو السكون، بل هو طريق شاق فيه الجهد والتعب، وفيه السهر والبذل، وفيه الصلابة والتحدي.

وللإجابة عن السؤال السابق نقول: لكي تكون ناجحاً ومتميزاً مبدعاً عليك باتباع أسرار التميز التالية:

1- أن تعلم أن الله رقيب عليك ويجازيك على كل ما تبذله من جهود في سبيل رفعة نفسك وعملك ووطنك.

2- كن صادقاً ومخلصاً في عملك، مؤدياً جميع الحقوق والواجبات، متعدياً ذلك إلى تحقيق الإنجازات والطموحات.

3- عليك أن تحب وظيفتك وعملك وأن تبذل الجهد والوقت للتفوق فيهما.

4- اتخذ لنفسك مثلاً أعلى وقدوة حسنة من القادة والبارزين والناجحين لكي يحفزك على النجاح والتميز.

5- اكتشف عبقريتك وإبداعك الفطري، وتعرف على قدراتك الذاتية ومهاراتك التي تميزك، واعمل على تطويرها ورعايتها.

6- اختلط بالناجحين والمميزين والمبتكرين في مجال عملك وتعلم منهم كيف وصلوا إلى مرحلة التميز والإبداع.

7- احرص على أن تتعلم شيئاً جديداً كل يوم، تضيفه إلى حصيلة خبراتك وعلمك وقدراتك.

وأخيراً؛ إن الحقيقة التي ينبغي ألا يغفل عنها أبداً، هي أنه لا مجال للتميز والإبداع وتحقيق الغايات إلا بالعمل الدؤوب والإخلاص والبذل والعطاء والتضحية، ولعلي أردد دائماً ومشجعاً على أهمية التركيز على التخصص وعدم التشتت في الاهتمامات: “التخصص يقود إلى الإبداع”.

Exit mobile version