تشويه “الجهاد” في القرآن وتوظيفه لضرب الإسلام والمسلمين

الجهاد في القرآن الكريم من أساسيات الإيمان، وفرق القرآن بين الجهاد والقتال، كما أن القرآن الكريم شدد على السقف الأعلى في استخدام القتال والجهاد ضد الآخرين، وهذا السقف يتكون من طبقات ثلاث؛ وهي: الطبقة الأولى العدل وتجنب الظلم والعدوان، والطبقة الثانية هي عدم الجور والإضرار، والطبقة الثالثة هي العمران وإحياء النفس مقابل التخريب والقتل والتدمير، هذه الطبقات الثلاث تفصل فصلاً مطلقاً بين المسلم والإرهاب بالمعنى المعروف اليوم.

وقد عدت مؤخراً من المؤتمر السنوي التاسع للجمعية الدولية لدراسات الشرق الأوسط ومقرها في واشنطن، وكان برنامجها حافلاً بعدد من العناوين حول الجهاد ومخاطره وتطبيقاته، وأهم هذه التطبيقات هي ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” المعروفة باسم “داعش”، كما أن مطبوعات الجمعية شملت كتباً حول هذه المطبوعات، وكذلك العدد الأخير من مجلتها حول دراسات الشرق الأوسط.

وقد تأملت مضمون هذا الخطاب الذي يضرب الإسلام بأعمال المسلمين، ولم يكن ذلك مستغرباً من جمعية يرأسها برنارد لويس، وهو شيخ بلغ السادسة والتسعين، وهو الذي تربى في كنفه الخبراء في شؤون الشرق الأوسط، كما أنه كرس جهده لخدمة “إسرائيل”، وهو الذي وضع خرائط تقسيم العالم العربي بناءً على دراسة نبهنا إليها مراراً نشرت عام 1982م، وكان الأمل كبيراً في أن تكون هذه أمانيهم، ولكن المثير للدهشة هو أن هذا البرنامج الذي وضعه شيخهم طبق تطبيقاً يكاد يكون حرفياً، فارتفع نجم المشروع الصهيوني وتدهور العالم العربي والإسلامي وفق الآليات التي رسمها فيلسوف التدمير.

ولكن الغريب أيضاً أنه رغم وضوح الخطوط في ضرب الإسلام والمسلمين والعرب وتفتيت بلادهم لم يستوعب أحد في العالم العربي هذه المقولات والأطروحات، أو إذا شئنا الدقة فإن الذي استوعب هم الباحثون والخبراء دون الحكام، وما دام الخبير عالماً بهذه الخطة فإنه يقع بين أحد أمرين: إما أن يستأنسوا الحاكم العربي فيكتم شهادته حتى يحافظ الحاكم على خطوط اتصاله مع واشنطن، أو أن يستبعد هذا الخبير من دائرة القرار بل ويتم التضييق عليه من جانب الحاكم ثم تذبل دعوته في بيئة تتفاقم فيها نذر الخطر.

ولذلك لا معنى مطلقاً لأن يغطي الحاكم فشله بتخيير الناس بين تحمل هذا الفشل أو الجحيم، رغم أن إنقاذ الوطن مهمة سهلة لو أخلص الحاكم النية في ذلك، أو أعلن عجزه عنها بأمانة وسلم الحكم لمن هو أقدر منه، خاصة وأن لزوميات الخطة هي الاستعانة بالعملاء وتشويه الأفكار والإعلام وغيرها من أدوات التأثير التي تجعل المواطن العربي عاجزاً عن متابعة برنامج التدمير لبلده دون الدخول في أمثلة وتفاصيل لتفكيك الصورة المعقدة لبعض الدول العربية التي طالها هذا المخطط وأهمها سورية والعراق وليبيا واليمن.

الأعجب من هذا كله أن هذه المطبوعات حول الجهاد يتم تسويقها على المستوى العالمي، كما يتم الاستعانة بها لتضليل الرأي العام الغربي بالإلحاح عليه بالصور والمقولات التي يصعب على هذا الرأي العام دفعها أو مناقشتها وهو يرى شعارات الجهاد وساحات الجهاد والاعتماد على الآيات القرآنية، ثم يرى مشاهد الذبح والتنكيل من جانب الجماعات التي صنعها الغرب والتي تعمل أدوات له في تدمير الدول العربية وتشويه صورة الإسلام تمهيداً لإشعال “الإسلاموفوبيا” في الغرب مثلما اشتعلت الظاهرة داخل العالم الإسلامي، والنتيجة هي طرد الجاليات الإسلامية من أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما ورد تفصيلاً في برنامج المرشح الرئاسي الأمريكي ترامب.

ويدخل في هذا العجب أيضاً أن المسلمين بمن فيهم الأقليات الإسلامية لم تنشر باللغات الأجنبية شيئاً يعتد به، ويستند إليه الباحث المحايد في أوروبا لتصحيح هذه المفاهيم أو لدحضها، وهذا يرجع إلى ضعف تقديم الحجة بمنطق حديث، وكذلك طغيان الإعلام المعادي وصخبه على الحقائق.

ومن المفارقات أن المؤلفين باللغة الإنجليزية واللغات الأوروبية يستخدمون كلمة الجهاد في القرآن كما هي باللغات الأخرى، حتى لا تفقد الترجمة الصلة بين المصطلح والمعنى المقصود.

فالمعلوم أن الكثير من المصطلحات الإسلامية يصعب ترجمتها بدقة إلى اللغات الأخرى، ولذلك تم نقل هذه المصطلحات كما هي بتعريف موجز لها، فالجهاد هو إجهاد النفس كرد فعل سواء ضد وساوس الشيطان، أو لصد العدوان أو الجور على الحقوق.

والمعلوم أن التعبئة النفسية والعقلية والإيمانية هي الطاقة المحركة سواء لمعركة الإنسان ضد النفس الأمارة بالسوء أو لمعركة الإنسان ضد المعتدي على ما يخصه سواء في شخصه أو ماله أو عرضه أو غيرها مما أوجب القرآن من حالات التصدي الذي يدخل تحت معنى الجهاد، فكظم الغيظ وكبح النفس حتى عن الانتقام من فضائل الدين وقد أعقب القرآن هذه الفضيلة بقوله تعالى: “والله يحب المحسنين”، فكأن هذه الفضيلة هي من صور الإحسان، والإحسان مرتبة أعلى من الأوامر والتكليفات.

ويطول المقام إذا أطلنا في شرح معنى الجهاد في القرآن الكريم الذي فسر من جانب هذه المطبوعات على أنه استنفار يتطابق مع تعاليم الإسلام للانقضاض على الآخر المختلف حتى لو كان عدواناً.

ومما زاد في تعقيد الصورة أن “داعش” طال ضرره المسلمين الشيعة والسُّنة، واستدار إلى المسيحيين والأزيدية، بل واهتم الإعلام الدولي بالفتيات والسيدات اللاتي فررن من قبضة “داعش” وروايتهن عن جرائم الاغتصاب والتنكيل بالنساء واسترقاقهن، والغالب أن “داعش” هي التي سمحت لهن بعرض هذه الصورة السيئة عن تنظيم يدعى أنه يجدد الخلافة الإسلامية ويعتمد على الأحكام القرآنية.

هكذا صنعوا نماذج مؤلمة لتجسد الإسلام ثم نقلوا عن هذه النماذج معنى الجهاد السلبي إمعاناً في تشويه الإسلام، ولكن توضيح الصورة الحقيقية مفيدة لمن ليس في قلبه مرض، أما من يعرف الحقيقة ويتعمد التشويه فهذه هي الإسرائيليات التي تلاحق هذا الدين منذ سطعت شمس الإسلام فبددت أساطير المبلسين من أهل الكتاب.

Exit mobile version