“نوبل” للجنرال!

مشكلٌ كبيرٌ أن ترى من يُفْترض أنهم الصفوة يعيشون حالة مَرَضيَّة مزعجة في الفهم والسلوك، وخاصة فيما يتعلق بعقيدة الوطن ومستقبله، وعلاقته بأعدائه التاريخيين!

أستاذ الجامعة الذي يفترض أنه في ذروة الوعي وقمة الهرم الفكري، ويدرك أبعاد ما يجري حوله، ويعلم أن الشعوب لا تتقدم إلا بالحرية والكرامة والشورى والعدل، حين يتحول إلى مجرد مخبر أو كاتب تقارير أو ماسح بيادة لأنه لا يستريح إلى الإسلام وقيمه وأخلاقه فاعلم أن مصر ليست بخير

حين يتحول أستاذ الجامعة إلى مجرد مطبلاتي لقائد الانقلاب ومداهن له، ويتناسى ما درسه في تخصصه العلمي حول الطبيعة العدوانية النكدة للعدو النازي اليهودي، ويتصور أن مبادرات الاستسلام والإذعان يمكن أن تقنع اليهود الغزاة بالسلام الحقيقي، والتخلي عن الوحشية التي يأمرهم بها خطابهم الديني وكتابهم المقدس، وإعادة الحقوق أو جزء منها لأصحابها ؛ فاعلم أن مصر ليست بخير!

حين يتحول الصحفي الذي يخاطب الناس في صحيفة يومية إلى مجرد تلميذ بليد في مدرسة النفاق والتضليل، فيقلب الحقائق، ويدلس على القراء، ويحول شعبه إلى أعداء يجب على السلطة الانقلابية أن تقاتلهم وتستأصلهم وتنزع الجنسية عنهم، لأنهم مسلمون، ويتمسكون بدينهم وقيمه وأخلاقه ؛ فاعلم أن مصر ليست بخير.

هذه النماذج النفاقية الرخيصة حين تتصدر المشهد الانقلابي تعني أن مصر مقبلة على مجهول مُفزع لا يعلم إلا الله إلى أين يصب أو ينتهي.

الصفوة الثقافية في المجتمع يفترض أن تكون حائط صدّ يحمي الشعب من الاستبداد والطغيان والقمع والارتماء في أحضان العدو. الصفوة الثقافية في أميركا اللاتينية أيام حكومات العسكر الانقلابية؛ كانت مثالا رائعا لهذا الحائط. لقد دفعوا ثمنا باهظا، موتا وسجنا ومطاردة ونفيا، ولم يهادنوا أعداء الحياة وحملة البنادق وقادة الدبابات والطائرات.. التاريخ سجل لهم بالفخر والتمجيد دورهم العظيم في تحرير بلادهم من الحكم العسكري والفشل المزمن والتخلف المهين!

حين يزوّر أستاذ جامعي الواقع المشهود ويرى أن مشكلة البلاد تكمن في ثنائية مريضة بين السلطة (يقصد الانقلاب) والمتأسلمين (يقصد المسلمين)، وتبادل المقاعد والتعاون الظاهري والخفي والتوافق حول توزيع الأدوار ويطالب بوقفة حاسمة – أي استئصال المسلمين – ليبقى المخبرون وكتاب التقارير وجواسيس التنظيم الطليعي، فاعلم أن البلاد تهبط بسرعة شديدة إلى الحضيض.

المخبر التعيس يكذب فيدعي مثل بقية اليساريين وأشباههم أن السادات أحيا الإسلاميين، وأن مبارك استخدمهم، وأنهم جلسوا فوق السلطة وفى البرلمان! ونسي البائس أن الشعب المصري هو من اختار الإسلاميين لمجلسي الشعب والشورى، وهو من انتخب رئيساً مسلماً ليحكمه، وعلينا ألا ننسى أن الإسلاميين في كل الحقب العسكرية وما قبلها كانوا نزلاء في المعتقلات والسجون ولم يكونوا في يوم ما مصدر فساد مرعب أو هزائم مذلة، وأنهم كانوا عوناً للفقراء والمساكين والمحتاجين، بما أنشؤوه من مستوصفات ومستشفيات، وجمعيات خيرية ومدارس نموذجية صادرها العسس!

المخبر الذي اتهم رؤساء الجامعات بالأخونة وأدانه القضاء، يشكو اليوم من محاولة إلصاق تهمة الأخونة بكل نقد يكتب أو يقال للسلطة الحاكمة (أي الانقلاب)!  

الأعجب من ذلك أن يسعى أستاذ جامعي آخر لنيل الرضا العسكري الانقلابي فيشيد بما يسمى مبادرة السلام التي طرحها الجنرال في أسيوط، وأنه وجد المفتاح الوحيد للحل وجائزة نوبل للسلام، ويتباهى أنه وضع نفسه وأدواته البحثية في حاله ترقب وطوارئ منذ دعا الجنرال في خطاب أسيوط إلى ضرورة السلام وحل المأساة الفلسطينية، ويحدثنا المذكور أنه واصل التنقيب ومازال في المصادر العبرية بحثا عن المؤشرات الدالة على تأثيرات دعوة الجنرال على موقف القيادات الصهيونية المتصلّب، ويرى أن مفتاح السلام ليس في القرارات الدولية ولا المباحثات ولا المؤتمرات ولا الدعوات الحسنة للسلام. إن المفتاح كما تدله خبراته التاريخية السابقة يتمثل في تبديل قناعات(؟) القيادات الصهيونية لتقترب من تيار الجوار الحسن مع العرب والذي يفرز فكرة الدولتين المتجاورتين في سلام، وأنه يبحث عما يستطيع الجنرال أن يحدثه من تغيير في القناعات المتطرفة لدى نتنياهو وحكومته بالترغيب في الفوائد المشتركة للشعبين(؟) من تحقيق السلام العادل ومن التحول من تيار السيطرة العسكرية على العرب إلى تيار الجوار الحسن معهم!

صاحبنا الخبير القديم في العبرية يتصور أن القتلة اليهود سيقتنعون بما يقدمه الجنرال من تنازلات، وما يشرحه لهم من فوائد، ونسي أن اليهود الغزاة يطبقون خطابهم الديني الذي ينطلق من الكتاب المقدس باستباحة الأغيار وتصفيتهم دموياً وبقر بطون نسائهم الحوامل، والاستيلاء على الأرض والممتلكات والماشية والأغنام، وأن القوة هي المفاوض الأول والأخير.. وأمتك يا مولانا لا تستخدم القوة إلا ضد نفسها، وانظر إلى بشار براميل ومن قبله والده حين لم يطلقا طوال أكثر من أربعين عاما رصاصة واحدة على الجولان المحتل، بينما تتدفق القذائف والصواريخ ضد الشعب السوري السنّي بلا هوادة طوال ست سنوات عجاف!

المهم أن صديقنا الخبير العبري يطلب وسام البطولة القومية للجنرال إذا نجحت جهوده في إقناع القتلة اليهود بما يسمى السلام!

وإذا تركنا أهل الجامعة جانبا، فاقرأ ما يقوله كائن يعمل بصحافة الجنرال تحت عنوان “اذهب أنت وربك فقاتلا!” مشبهاً له بالنبي موسى عليه السلام: والله، بدلاً من أن نشكو من ارتفاع الأسعار وضيق الحال، علينا أن نخجل من أنفسنا، بعد أن ارتضينا أن نكون «ظهراً محنياً»!

وعدنا «الرجل» – يقصد الجنرال – بالصبر والجلد والتحمل، ولكننا لم نكن رجالاً، ولم نف بوعودنا!

استغثنا به لإنقاذ مصر وقت أن كانت على شفا حفرة من النار، ولما قبل بتولي المهمة، ألقينا هموم 60 عاماً على كاهله، وفي مرحلة لاحقة حملناه هو نفسه مسؤوليتها، وفي مرحلة تالية، انتقلنا إلى مرحلة التطاول والوقاحة، بحجة أنه رئيس، وأن الرئيس «موظف» عند شعبه، ونسينا أننا أيضاً «موظفون» مثله، ولكننا لا نعمل 1% من عمله! ثم يستمر المذكور في جلد الشعب المصري بشتائمه وسخائمه ويشبه الجنرال بتشبيه آخر بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم -«لو خضت البحر لخضناه معك».. إلخ.

هذه النوعية من الصفوة التي يفترض أنها حائط صدّ يحمي الشعب تبدي نفاقها وابتذالها، وتمسح البيادة في انحناء كريه، ولا تجد غضاضة في ازدراء دينها والتحريض على شعبها بينما تسترضي اليهود القتلة الغزاة!

الله مولانا، اللهم فرج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم! 

Exit mobile version