حتى لا يُنسى تاريخنا الهجري

إن صدقت الأخبار المتواترة التي تقول: إن صرف رواتب الموظفين في الوظائف الحكومية سيكون بالتاريخ الميلادي بدلاً من التاريخ الهجري، فإن تلك الخطوة ستمثل تحولاً في ثقافة الناس.. سيألف الناس التاريخ الميلادي الذي يجهله أغلبهم، وسينتقل التاريخ الميلادي من دائرة الرواتب إلى دوائر البيع والشراء، والمحلات التجارية ومعارض السيارات، وستدون به الشيكات والكمبيالات والعقود.. وشيئاً فشيئاً سينسى التاريخ الهجري من ذاكرة الأجيال، وسيكون من ذكريات الطيبين، فقط سيتذكره الناس في مواسم العبادات كشهر رمضان، وشهر الحج.

صحيح أن التاريخ القمري عليه تاريخ هجرة نبينا الكريم –  عليه الصلاة والسلام – وترتبط به العبادات، والتقويم الشمسي ميلاد نبينا عيسى – عليه السلام – وترتبط به تعاملاتنا العالمية، ولا مانع من استخدام الاثنين والجمع بينهما، لكن تظل السعودية هي الدولة الوحيدة التي تستخدم التاريخ الهجري، كما تنص عليه أنظمتها، وصار عالقاً بأذهاننا، وهو يمثل رمزاً ثقافياً وحضارياً وميزة تميزنا، وليس مجرد أمور عادية.

التاريخ الهجري ممتد لأكثر من 14 قرناً، وينسب الفضل إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي أرّخ به، واستشار الصحابة في اتخاذ تاريخ للمسلمين، فاختاروا حدث الهجرة، لظهوره واشتهاره ولأن الهجرة كانت النقطة الفاصلة التي فرقت بين الحق والباطل.

حدثنا التاريخ أن هناك بلداناً إسلامية تخلت عن التاريخ الهجري واستبدلته بالميلادي، فالدولة العثمانية، وكذا في مصر، تم استبدال التاريخ الهجري، وإحلال الميلادي مكانه.

أتفهم جيداً قرار الدولة في تحويل الرواتب من الهجري إلى الميلادي، بسبب الظروف الاقتصادية التي نعيشها، فالفرق بين التاريخين 11 يوماً في السنة، فيكون الفرق شهراً كل ثلاث سنوات.. لكن كما قال الكاتب العكاظي خالد السليمان: إن أي وفر مالي سيتحقق على المدى الطويل من التحول إلى التاريخ الميلادي في صرف مرتبات موظفي الحكومة سيكون ثمنه باهظًا وجدانيًا وثقافيًا، ويعني أن الجيل القادم سيولد منفصلًا عمليًا وعاطفيًا وثقافيًا عن الارتباط بالتاريخ الهجري.

أكتب هذا المقال وأنا أتخيل التحول الثقافي للتاريخ الهجري الذي سيتوارى، ويحل مكانه ثقافة التاريخ الميلادي، وبين يدي نص يقول: التاريخ الهجري هو تقويم الدولة حسب ما نصت عليه المادة الثانية من النظام الأساسي للحكم، وهو أحد عناصر الهوية الثقافية والوجدانية والحضارية للمجتمع السعودي.. وفي حال ربط الرواتب بالتاريخ الميلادي للضرورة، فنأمل أن تظل بقية الوزارات والإدارات مرتبطة مواعيدها وتعاملاتها بالتاريخ الهجري الذي ألفناه ويمثل هويتنا العربية والإسلامية.

(*) كاتب وإعلامي

Exit mobile version