ردُّوا عليها ولدها

من فجع هذه بولدها؟

ولِمَ تفجع والدة بولدها فلذة كبدها؟ إلاّ إن كانت الفجيعة قدرية بموت أو مرض.

أو إن كان الولد عاقاً، يشتمها وينساها، ويعقها وينسى أنها حملته كرهاً على كره من راحتها وصحتها.

أما ما سوى ذلك فإن أعظم الجرائم، وأعظم الآلام الإنسانية وأعمقها ألم الأم بولدها إذا سافر أو مرض، أما أن يعيش في السجن الانفرادي دون محاكمته فذلك أمر آخر.

والأب ليس كالأم في الألم واللوعة، والولد كذلك، مهما بلغوا من الحسنات والوفاء والحب، وسبحان الله رب العالمين.

نحن أمة الرحمة، دخل رجل الجنة بكلب أدركه العطش، فأجهد الرجل نفسه حيث لم يجد دلواً، ونزل البئر بخفه الذي أمسكه بأسنانه وملأه ماءً وأسقاه وهو يتلوى من العطش.

نحن أمة الرحمة، حيث قالت بالأمس: أم أمجد باستغاثتها بجلالة الملك أنّ أمجد الإرهابي كان يضع خيطاً من السكر للنمل من داخل البيت لخارجه ليخرج النمل طواعية  تحاشياً لقتله.

نحن شعب الوفاء والنخوة والشهامة وإغاثة الملهوف حتى لو كان الثمن الروح أغلى ما يملك الإنسان.

ردوا عليها ولدها، ولو كان عصفور قُبّرة لا تدرك من الحنان على ابنها إلا ببعض حجم رأسها الصغير، يفزع الرسول الرحيم – صلى الله عليه وسلم – حتى في الساعة الحرجة وهو في أتون المعركة وساحة النزال مع أعدائه، ويقول مستنكراً مستهجناً ثائراً وقد رأى قُبّرة تحوم فوق رؤوس الجند ذهاباً وجَيْئة، كأنها تناشدهم بلسان حالها وتستغيث بمحمد – صلى الله عليه وسلم – وفهم أن لها حاجة ماسّة فقال: “من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها”، وفعلوا على الفور، فمن كان يقنع نفسه بأن يستمتع بخطف عصفور صغير من عش أمه متناسياً أنه يستمتع على حساب آخرين أو أخريات فقد بالغ في الخطأ.

فما بالك بمن يمارس السّادِيّة، وهو يعذب البشر ويفرح لمعاناتهم وبعد أن يتعب من إيذائه يخلد إلى النوم؟ ولكن عين الأم التي تعاني الألم والظلم والمصيبة والمأساة والمعاناة والنوم، وكلها مشتركات مع “الأم في الميم”.

تنام عيناك والمظلوم منتبهُ         يدعو عليك وعينُ الله لم تَنَمِ

تُرى هل صرخة الأم نور الهدى أم د. أمجد قورشة ستلامس أسماع من يسمع؟!

وهل بقي من يسمع؟!

لقد اهتز المعتصم عندما بلغته استغاثة عجوز عربية أُسرت في عمورية، تطحن على الرحى لرومية استعبدتها، وتَضْرب وتشتم زيادة على أسرها وقهرها ولعلها فقدت بصرها واسودّت من الهم بشرتها، وضاقت بها الدنيا، واستغاثت في وسط رومي معزول مستبعدة أن يبلغ أهلها صوتها، ومستهجنةً أن المعتصم لم يعلم بشأنها!

ولا أدري من ذاك الرومي (الإنساني) الشهم الذي أوصل الاستغاثة للمعتصم وبأي طريقة، ليقسم بالله وقد اهتز من أعماقه وبيده قَدح الماء ليشرب قائلاً: أقسمت بالله ألا أشرب حتى أنقذها ففعل.

متى نكون عرباً كالعرب؟ ومتى نكون “ناساً” إنسانيين كذاك الرومي الشهم؟ ومتى نترجم معاني العروبة التي نتغنى بها، ونعظ الآخرين ولا نتعظ نحن؟

ردوا عليها ولدها.. من فجعها بولدها قبل أن نفجع بفاجعة أعظم.

مَن أمٌّ أردنيةٌ عظيمةٌ تنتصر لهذه الأم التي جاء أجدادها من القوقاز فوجدوا في الأردن الحضن الدافئ؟

إن الشعارات الكبيرة والجميلة في الحرية والديمقراطية التي تملأ شوارعنا اليوم إن لم تترجم إلى واقع، فإنما هي خزعبلات وأضاليل، وستشرق عليها الشمس لتذوب، وإن غداً لناظره قريب.

فلينتظر الساكتون عن ظلم غيرهم دورهم في الظلم، ولينتظر الجميع بعد ذلك مالا نتمناه جميعاً.

ما رأيت عاقلاً يقدم اتهام الإنسان على براءته ومعاقبته قبل إدانته، والأصل براءة الذمة، والاستثناء اتهامها.

أما إن ساد في المجتمع أن المتهم مجرم حتى تثبت براءته، فعلى الدنيا السلام، وليعلم من يجهل عندها أننا اقتربنا من قاع المحيط لا قدر الله، لست ضليعاً في القانون، ولكن كيف يكون التوقيف عقوبة بلا دليل وبلا حكم قضائي، وفي أي مجتمع وفي أي قرن نعيش؟

لا ندافع عن جريمة أو مجرم وليس أحداً فوق القانون، ولكن بالعدل تستمر الدول وتنهض، ليس بالزهد والتعبد مع الظلم، وقديماً قالوا: الدولة الظالمة تزول قبل الدولة الكافرة.

ردوا عليها ولدها.. ردوا عليها ولدها.. واستجيبوا لندائها يا رجال الحكم ويا رجال الأمن ويا أصحاب الأقلام ويا رجل الإعلام ويا أصحاب الأفكار والمبادئ، ويا أصدقاء ولدها ويا زملاء ويا أحرار الأردن ويا بعض قائمة العار انتصاراً للأردن وللعدالة والحرية قبل أن ييأس الناس ويذهب العرف من بينهم.

Exit mobile version