لا تخبرهم كم تقرأ!

كثيراً ما نردد أن العبرة ليست بالكم، بل بالكيف، وأن العبرة بالأفعال وليست بالأقوال.

القرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يضل من أتبعه، ولا يشقى من طبقه وتعلمه، الهدف الأساسي من القرآن الكريم كما يراه أبو البندري – غفر الله له – هو التطبيق والعمل بتعاليم هذا الكتاب لا مجرد التلاوة، فقد ضرب الله لنا مثلين:

الأول: لليهود الذين أنزلت عليهم التوراة فلم يعملوا بها، فشبههم الله بالحمار الذي يحمل الكتب الكبيرة ولا يستفيد منها، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

والمثل الثاني: لرجل يقال له بلعام بن باعوراء من علماء بني إسرائيل، ومن أتباع موسى عليه السلام، قال تعالى في شأنه: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

كان هذا الرجل عالماً عابداً رفعه الله تعالى بعلمه، لكنه ضل، وانحرف، وانسلخ من آيات الله، فكان جزاؤه الإخلاد إلى الأرض مثقلا بالهوى والضلال، وشُبِه بالكلب، بعد العز والشرف.

وهكذا تبين الآيات أن القرآن نزل ليتلى وليعمل به، وتحويل القرآن إلى كتاب للتلاوة فقط دون العمل والتطبيق في حياة المسلمين أفراداً أو جماعات خطيئة لا تغتفر، وهو من أسباب تخلف المسلمين أخلاقياً وحضارياً.

لذا لا تخبر الناس كم تقرأ يومياً أو أسبوعياً من القرآن، أو كم تحفظ من الأجزاء.. دعهم يرون أثر القرآن فيك، اجعلهم يرونك قرآناً يمشي على الأرض أخلاقاً وسلوكاً، وتعاملاً.. أرحم صغيراً، واعطف على المساكين، وأطعم المحتاجين، وساعد الملهوفين، ومد يدك للغرقى، وبر بوالديك، وقل الحق ولو على نفسك، وكف عما ما يؤذي الآخرين، أو ينال من أعراضهم، ولا تبغ الفساد، واحرص على النظافة.. وابتسم للآخرين، وكن نقي القلب وسيلم الصدر لمن حولك.

ما يحدث من تصرفات سلبية للناس في بيوتنا وشوارعنا، ودوائرنا وكافة مرافق بلانا وبلاد المسلمين، ليس سببه ندرة وقلة العلم، فالناس يحفظون الكثير من السور، ويسردون مئات الأحاديث، ويعرفون الأحكام الفقهية.. لكن الذي ينقصنا ونحتاجه هو التطبيق العملي لهذه الآيات والأحاديث، لو طبقناها لانحلت مشاكلنا.. وقلت في مقال سابق.. متى نعي أن الأحاديث وكذا الآيات ليست للحفظ فقط ، بل هي للممارسة والتطبيق؟!

وأخيراً.. في فن التأثير؛ الناس لا ينظرون إلى الأقوال، بل إلى الأفعال!

* قفلة..

قال المستشرقون عن القرآن: إنه لخطير وبه تعليمات لو أدركها المسلمون لسادوا العالم ولتحكموا في مصيره! هل أدركنا هذه الرسالة أم ستمر كغيرها!

Exit mobile version