بَلْع الزلط وصُنْع الغلط!

تؤكد إفرازات الحكم العسكري الدموي الفاشي منذ عام 1952م العنصرية المقيتة ورفض العدل الاجتماعي وحرمان الشعب من حريته واختيار طريقه ومستقبله، دعك من الإنشائيات الفارغة التي لا ظل لها على الأرض ويبرع فيها كهنة الاستبداد والطغيان، من قبيل: الشعب المعلم راح، والشعب المعلم قرّر، والشعب المعلم أراد.. فقد ثبت يقيناً أن هذا الشعب لم يكن معلماً ولم يقرّر شيئاً في ظل الطواغيت المهزومين، بل كان يتم إهدار إرادته وسحبه إلى متاهات التخلف والهزيمة والخيبة، ومن يعترض فمصيره وراء الشمس!

لقد اعتمد الحكم العسكري الفاشي على هؤلاء الكهنة لاستمرار وجوده أو قبوله بين الناس، فكذبوا وضللوا ودلسوا وسوغوا الجرائم المادية والمعنوية في حق الشعب البائس التعيس، وظل الكاهن الأعظم بجانب البكباشي المهزوم الفاشل دائماً يزين له سوء عمله، ويبرر خيبته “المتلتلة” أمام الجمهور، ومحاربته الإسلام وعلماءه عن طريق الكهنة الصغار الذين يكتبون أو يرسمون أو يجأرون في الصحف والإذاعات وقنوات التلفزة، حتى مات وقد ترك مصر في ثلث مساحتها التي كانت عليها عندما تسلمها من الملك فاروق ملك مصر والسودان، فقد ضيع السودان وسيناء وقطاع غزة، فضلاً عن بقية فلسطين والقدس والجولان وغور الأردن ومزارع شبعا بسبب دكتاتوريته ودمويته وقهره لشعبه الذي صفق له طويلاً وظن أن ما يقوله صحيح وصادق، ولكنه اكتشف الفجيعة يوم الخامس من يونيو عام 1967م!

كهنة بلع الزلط وصنع الغلط عادوا بقوة بعد سرقة الثورية المصرية العظيمة في يناير 2011م، وانقضاض الاستبداد على من قاموا بها وبذلوا في سبيلها أرواحهم ودماءهم، فأجرى الدماء أنهاراً، وغيب الشرفاء والنبلاء في غيابات الظلمة والوحشة بغير حق، وراح الكهنة المنافقون الظالمون يحللون القتل والقمع والترويع ويبررون الفشل والخيبة والانهيار.

سأقدم بعض النماذج لمقولات الكهنة ورؤاهم في تأييد إذلال الشعب المصري وترويعه ونهبه وتقييد حركته في التعبير والعمل والأمل والإنتاج.

مفيد فوزي؛ صحفي عاش ولم يزل على حجر النظام العسكري منذ الخمسينيات حتى اليوم، وجرّف كثيراً من خيرات الشعب المصري هو وزوجته الراحلة وابنته، وأكلوا المنّ والسلوى في دفاعهم الكريه عن الممارسات الإجرامية لحكم العسكر منذ أيام البكباشي المهزوم دائماً حتى عهد الانقلاب الراهن، وتميز المذكور بأنه كان لسان وزراء الداخلية من خلال التلفزيون عبر برنامج ظل يقدمه على مدى ربع قرن أو يزيد، ومع أنه بلغ أرذل العمر فما زال يحلم بالمزيد من الثمرات الحرام التي يقدمها له النظام العسكري، وقد أجرت معه جريدة “الأخبار” الانقلابية (17/ 3/ 2016م) حديثاً مطولاً؛ عبّر فيه عن غزله غير العفيف للنظام العسكري الحاكم، مطالباً الشعب أن ينسى الحرية والديمقراطية، لأن البديل هو الإسلام، وهو بديل مرعب ومخيف!

لقد بلغ به التعصب الطائفي الرخيص أن يقول عن فترة حكم الرئيس مرسي: إنها من أشد فترات الذل التي مرت بمصر، ونسي أنها الفترة التي سمح فيها مرسي لأحط الكائنات البشرية خلقاً وسلوكاً أن يتظاهروا أمام بيته ويسبّوه ثم يعودوا آمنين إلى بيوتهم، ولكن الصحفي الطائفي المتعصب كان منزعجاً فيما يبدو لوجود رئيس مسلم لا يظلم أحداً ولا يستخدم البيادة لسحق معارضيه والدوس بها فوق وجوههم!

أما غزله في حكم البيادة وإصراره على استمراره فحدث ولا حرج، وأكتفي بنقل بعض مقولاته في حواره المذكور مع جريدة “الأخبار” الانقلابية:

– أعتذر للرئيس… عما يحدث وعن حالة الخبل التي أصابتنا وأصابت الأفندية الأراذل.. أنا مندهش لصمت الرئيس على الإعلام.. لقد فوجئت بمذيعة تخرج في إحدى قنوات التلفزيون المصري وتقول كلام (كذا!) «خشن للرئيس».. لابد أن يحسم الرئيس الأمر فيما يتعلق بإعلام الدولة.. ظل الإعلام منضبطاً حتى آخر يوم لأنس الفقي، ولا يمكن أن ننسى أن صفوت الشريف ألحقنا بنادي الفضاء..

– في هذا الزمن أنا مع وجود الجيش في الحكم.. هذا الزمن يحتاج إلى قبضة قوية، وهذا الزمن يحتاج إلي عزة الجيش.

– «لا أحد في مصر ينام من غير عشا» هذه حقيقة أكررها دائماً نحن نبالغ في الشكوى.. أثق في أن الرئيس يحمل في ذهنه خطة نهضة كبرى سيفاجئنا.. رجل قوي لكن «اللي تاعبه الأفندية الأراذل» هم حمل كاذب وبالونات فارغة.. أعترف أن هناك أخطاء في البلد، لكن أنا «ببلع الزلط».. لأن البديل مخيف وبدعو الجميع لأن يبلع الزلط.. لأن هذا الرجل «بيمّوت نفسه عشان مصر».

– الرئيس وحده هو من يستطيع الحزم لأنه «شايف أكتر مننا»، الحكومة مش مريحة الناس.

– لا تهمني الديمقراطية وليست في اعتباري، كان يهمني الأمن، أحتاج أن نمشي في شوارعنا بأمان وأن نعيش في بيوتنا مطمئنين، الديمقراطية ليست المطلب الأول في مطالب الشعب المصري.

– ليس بالضرورة أن نقول: إن الأقباط في أفضل عصورهم، لكنهم في حالة راحة في ظل وجود رئيس «يعيّد» عليهم في كنيستهم..!

هذا الصحفي الطائفي يسفر عن آراء غاية في التعصب ضد الحرية والأغلبية، ويدافع عن الحكم العسكري دفاعاً مستميتاً بذرائع واهية، ولكن الأعجب ما طالب به رئيس تحرير “الأهرام” الناصري لتصدر الجامعة العربية قرار بوضع جماعة الإخوان المسلمين في خانة الإرهاب! ولست أدري هل من حق حكومة أو منظمة إقليمية أو دولية أن تضع جماعة أو فريقاً من الناس في خانة الإرهاب لأنها تعارض سياسة استبدادية دموية فاشية؟

إن رئيس تحرير “الأهرام” الناصري يعلم جيداً أن جماعة الإخوان تعبر عن أغلبية الشعب المصري، ورغبته في الحرية والشورى والكرامة والمشاركة في صنع القرار والمستقبل، ولكن سيادته مسوق برغبة المجموعة الناصرية وعرّاب الانقلاب الراحل في التسلط على إرادة الأمة ولو كان ذلك في ظل البيادة التي لا ترحم، فقد عاش من يسمون أنفسهم بالناصريين طول الحكم العسكري يسوغونه ويبررون هزائمه وفشله ووحشيته ضد جموع الشعب والصفوة الرافضة للاستبداد والطغيان والدم، وبدلاً من الدعوة لقيادة مدنية تخرج من بين أصلاب الشعب، ينافحون في بؤس عن حكم عسكري لم يحقق نجاحاً في أي مجال.

إن كهنة النظام العسكري أو سحرة فرعون كما سماهم بحق محمد بديع – فك الله أسره – لا يمكن أن يكونوا منحازين إلى الشعب وهم يغترفون من أموال حرام مغموسة بدم الفقراء والمحرومين والمظلومين.

الله مولانا، اللهم فرّج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم! 

Exit mobile version