شيء من “هياط” الجماهير!

أتفهم أن تشجع ما تريد من الأندية الرياضية، وعادي وطبيعي جداً أن تحتفل في حدود المعقول كتعبير رمزي عن فرحك بفريقك الذي حقق بطولة.. الذي لا أفهمه، ويصعب عليَّ هضمه وربما على أمثالي من الطيبين وغير الطيبين أن يصبح فريقك المفضل مصدر فرح أو حزن، إذ كيف يجعل الإنسان نفسه رهينة بيد الآخرين، كيف يتعصب أو يحزن لشيء لم يكن طرفاً فيه؛ فهو لم يلعب، أو يدرب أو يشرف أو يدير جانباً ما في فريقه.. وهذا أمر كما قلت عسير على الفهم.. والأمر الآخر هو المبالغة في الشيء وهي نقيض الاعتدال والتوسط، وهي ظاهرة مهلكة ولها سلبياتها.. خذ مثلاً الاحتفال بفوز وبطولات الأندية المبالغ فيها، إذ يتحول الاحتفال إلى صورة من صور “الهياط” الرياضي إن صح التعبير.

والهياط في حد ذاته منبوذ، وغير مرغوب فيه.. وكثيرون باتوا يهايطون، ويخترع الواحد أي فكرة أو يركب موجة أي رأي ليعلن هياطه أو يشارك الآخرين في هياطهم.. لم يعد “الهياط” يمارس داخل الملاعب، وإنما تعدى ساحات الملاعب، وأسوار البيوت وأماكن العمل، ليصل إلى الاحتفالات الجماعية.

في كذا محافظة ومدينة أقيمت مناسبات احتفالية ابتهاجاً بتحقيق فريق”…” الدوري، تُجمع فيها “القطات” التي تصل لمبالغ خيالية، وتستأجر فيها الاستراحات والقصور، مع أطايب الحلويات، والمفطحات، وتوجه الدعوة لشخصيات رياضية تحضرها بمبالغ محرزة، ثم ما هي النتيجة التي تعود على الأفراد المساهمين، وعلى المجتمع غير استعراضات “السيلفي” ونقل الاحتفالات عبر “السناب شات”، و”الإنستجرام”؟!

عندنا في محافظة المخواة، من المقرر إقامة احتفال رياضي آخر شهر شعبان، جُمعت له “قطة” لمبلغ يقارب 100 ألف، وقصر لاحتضان الأفراح.. تصوروا فقط لو صرف هذا المبلغ في عمل تطوعي وليكن باسم رابطة أو مشجعي ذلكم النادي، مبلغ كهذا يمكن صرفه كمهر زواج لشابين، أو يكفي تكلفة “قصر” لعشر زواجات، مئات السلال الغذائية التي يمكن لهذا المبلغ توفيرها وتوزيعها على الأسر الفقيرة بمناسبة شهر رمضان المبارك.. وغيرها الكثير من الأفكار التي تترك بصمة اجتماعية أو تخلف أثراً يشاهد.. بدل أن تصرف هذه المبالغ في اللاشيء!

أرجو ألا يفهم إخوتنا “الراقيون” أن هذا المقال ينال منهم، أو يؤلب المجتمع عليهم، بل هو رأي آخر ارتآه أبو البندري – غفر الله له – في وضع هذه المبالغ في مكانها الأفضل والأكمل، فحينما أرى مناظر المُبَالَغات المالية التي تتكاثر لأي سبب، ولأي مناسبة؛ أضع يدي على قلبي متأملاً هذا الحديث: “والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم”.

Exit mobile version