الصورة “تطلع حلوة”!

كانت هزيمة المسلمين في الأندلس مذلة وساحقة؛ واستئصالية لكل أثر من آثار الإسلام في الأفراح والأحزان واللغة واللباس فضلاً عن الدين والمعتقد، كان ما يعرف بمحاكم التفتيش يحكم على من تُشمّ فيه رائحة الإسلام بالحرق أو القتل، ومن يتوجسون منه خيفة أنه يخفي في ضميره بقايا إيمان بشيء من الإسلام يوضع في السجون إلى ما لانهاية، وكان ديوان التحقيق يحرم على المسلمات تغطية رؤوسهن أو ارتداء الملابس السابغة، من يتحدث بالعربية أمام قشتالي مصيره السجن، لا يجوز لمسلم سابق (متنصر إجباراً) أن يقرأ القرآن أو يؤدي الصلاة أو يدفن وفق جنائز المسلمين، المساجد تحولت إلى كنائس، مدارس القرآن وغيرها تحولت إلى أماكن لتلقين النصرانية، يا ويله من لا يعلق الصليب ويا سواد ليله من يضبط لديه كتاب بالعربية.

طرد الصليبيون في الأندلس معظم أهلها إلى الشاطئ الجنوبي (مراكش والجزائر وتونس، من بقي صار موريسكيا – أي متنصراً – وتحول إلى عبد للسادة القشتاليين، بعد مصادرة البيوت والأملاك والقصور والدور والورش والمصانع والمكتبات والمدارس والأسبلة، لا مفر لمن بقي إلا أن يكون مخلوقاً من الدرجة العاشرة أقل قيمة ومستوى من الحيوانات والقطط والكلاب والحشرات السامة!

ما الفارق اليوم بين مسلمي الأندلس المتنصرين ومسلمي الأمة على امتداد العالم؟

أرى الفرق غير كبير، فقد صار الإسلام اليوم قريناً لما يسمى التطرف والتشدد والإرهاب والتعصب والظلام، من يرفع راية الإسلام إرهابي وقاتل وسفاح، لا تستطيع اليوم أن تتحدث عن الإسلام منهج حياة وسياسة دولة وطريقة عمل في المجتمعات الإسلامية، تدريس لإسلام في المدارس والجامعات محفوف بالمكاره والمحاذير، ممنوع أن تدرس الجهاد أو الربا أو الطلاق، محرم على المدرس أن يتعاطف مع الحجاب فضلاً عن النقاب، من يعنيهم مهمة الحفاظ الإسلام رسمياً يتحدثون عما يسمى الإسلام الوسطي! في المقابل لا يتحدث أحد عن النصرانية الوسطية التي بلا استدمار ولا محاكم تفتيش ولا ديوان تحقيق، ولا يتكلم مخلوق عن اليهودية الوسطية التي لا تقتل الفلسطينيين والعرب، ولا تغتال أراضيهم، ولا تسرق مياههم ولا تنظر إلى العربي نظرة عنصرية ولا تؤمن بالدولة اليهودية الدينية الخاضعة للحاخامات!

المسلم وحده عليه أن يقف أمام ديوان التحقيق الصليبي في قرطبة وإشبيلية وبالنسية وغرناطة، ومصيره واحد من اثنين الحرق وسط تهليل الغزاة، أو الرمي في غيابات الجب إلى وقت لا يعلم إلا الله نهايته!

يبدو أن اليهود والصليبيين وجدوا أن قيامهم بمهمة ديوان التحقيق تكلفهم كثيراً، وتلقي ببعض الظلال على صورتهم التي يحاولون أن “تطلع حلوة”، ولذا اختاروا وكلاء لهم يقومون بكل شيء، ولا مانع أن يتدخل الصليبيون أحياناً للحديث عن حرية التعبير، وحقوق الإنسان، وجرائم الحرب.

صار لدينا في بلاد المسلمين وكلاء للروم على امتداد العالم العربي من النخب المصنوعة على أيديهم، وتنفذ ما يأمرون به في الدين الإسلامي والسياسة والعسكرية والشرطية والثقافة والتربية والتعليم والصناعة والزراعة والتجارة والسياحة وأسواق المال، والحياة الاجتماعية والتشريعية والاقتصادية، إياك أن تتحدث أمامهم عن الإسلام، فأنت مهرطق، ومخالف لتعليمات الديوان، ويجب أن تعرض على محاكم التفتيش التي تعصف بك.

انظر حولك وتأمل ما يجري في العالم الإسلامي، وتأمل رد فعل الروم الذي يدحض ادعاءاتهم ومزاعمهم عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

منذ ألف يوم قام الوكلاء بقتل أكثر من خمسة آلاف مسلم بريء في ميادين رابعة والنهضة والمنصة ورمسيس ومسجد الفتح وأكتوبر وغيرها، لم يتحرك أحد في الغرب الصليبي ولم يصدروا البيانات الملتهبة، ولم يهددوا الوكلاء بأي عقاب، ولعلهم في السر قدموا لهم التهاني والتبريكات – الصليبية اليهودية طبعاً!

في الوقت ذاته يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لأن محرراً مغموراً لا يملك موهبة الكتابة أو الفن الأدبي يكتب رواية بورنو، ويعاقبه القضاء بالسجن سنتين، ولا يكاد يمضي يوم دون أن يُدعى إلى مؤتمرات في الخارج، ويضعون باسمه كرسياً شاغراً، ويخصصون له جائزة، وينشرون بذاءاته على نطاق واسع، مع التمجيد المستمر له بوصفه ضحية من ضحايا الظلام أي الإسلام.

والأكثر طرافة من كل ذلك أن تجد بعض المعممين يعملون وكلاء للروم من أجل القضاء على الإسلام باسم الإسلام المعتدل! كأن هناك إسلاماً منحرفاً، بينما المدارس التي يشرف عليها وكلاء الروم لا تعلم الإسلام، ولا تلقي إليه بالاً، بل إنهم حرّموا بناء المساجد ضمن تصميمات المدارس، بل إنهم يهدمون مساجد الجامعات، ويخصصون مسجداً واحداً يراقبه المخبرون، تحت دعوي حرمان الإسلام المتطرف من السيطرة عليها، بل إنهم يخصصون مؤتمرات وندوات لتطوير ما يسمى الخطاب الديني، في الوقت الذي لا يطورون فيه الاقتصاد أو الزراعة أو الصناعة أو التعليم!

يزغرد الروم حين يصل وكلاؤهم في بلاد الإسلام إلى التمكن من سدة الحكم تماماً، ويعمل قضاؤهم المسيس لإعدام العلماء الحقيقيين وأتباعهم، تأمل الأحكام الآثمة التي صدرت بإعدام قرابة ثلاثين عالماً مسلماً في بنجلاديش وكلهم تجاوزوا السبعين من العمر آخرهم مطيع الرحمن نظامي رئيس الجماعة الإسلامية؛ التهم الموجهة إليهم كلها ملفقة والأحكام سياسية بامتياز، ولم ينتفض أحد في الغرب الصليبي بسبب هذه الأحكام الجائرة، ولا وكلاء الروم في بلاد الإسلام ولا ما يسمى منظمة التعاون الإسلامي ولا الدولة التي وقعت اتفاقاً مع الهند وبنجلاديش – وهي باكستان – يقضي بعدم محاكمة أحد بعد انفصال بنجلاديش لأن قادتها مشغولون بوثائق بنما، وكيفية حماية المليارات المنهوبة، دولة واحدة هي تركيا التي غضبت وسحبت سفيرها من دكا احتجاجاً على ما فعلته وكيلة الروم في البنغال الشيوعية حسينة واجد ابنة الشيوعي الهالك مجيب الرحمن زعيم حزب الشعب الشيوعي!

وكلاء الروم يدمرون سورية والعراق واليمن وليبيا والصومال ولبنان والسودان ومصر وتونس والجزائر ومالي ونيجيريا وبنجلاديش وباكستان، والدمار سيمتد إلى ما تبقى، لأن الروم المتوحشين لا يريدون شيئاً اسمه الإسلام ولو كان شكلياً، وكذلك وكلاؤهم في بلاد المسلمين.

الروم هم الفرنجة هم الصليبيون، ووكلاؤهم في بلادنا يسمونهم التنويريون والتقدميون والمناضلون والانقلابيون، ومهمة الوكيل في كل الأحوال تنفيذ العمليات القذرة وأولها استئصال الإسلام، وإذا عجز فالسوخوي والشبح والميراج تجبر هذا العجز!

الله مولانا، اللهم فرّج كرْب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!   

Exit mobile version