الحوار الإسلامي.. آفاق وآمال

د. عامر البو سلامة

1-  في الفترة الماضية القريبة، في شهر مايو ما بين 18 – 20/5/ 2015م عقد مركز الدراسات الإستراتيجية والتواصل الحضاري، الملتقى الأول للحوار الإسلامي، برعاية المجلس الإسلامي السوري، وبحضور نخبة متميزة من الإسلاميين السوريين، يمثلون التوجهات الاجتهادية الإسلامية، على الساحة السورية، وفي مقدمة هؤلاء الشيخ الجليل أسامة بن عبدالكريم الرفاعي رئيس المجلس الإسلامي.

2- كان الجو العام إيجابياً، يحمل في طياته معاني التفاعل والتواصل، والرغبة في الوصول إلى القواسم المشتركة التي يجب أن يتعاون جميع الحاضرين، في تحقيق نجاحها، ورغم وجود رأي ورأي آخر في بعض الجزئيات، إلا أن الرغبة التي أشرت إليها آنفاً كانت سيدة الموقف، (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

3- الحوار، هذه الكلمة الجذابة الأخاذة، ذات الدلالات العظيمة، والأبعاد الواسعة البناءة، الحوار لغة الحضارة، وعنوان الرقي، وبرنامج النجاح، ومسار الإنتاج، ومعالم التفوق، والمجموعة التي لا تجيد صناعة الحوار مع ذاتها ومع غيرها، مجموعة تودع منها، لأنها سوف تلجأ إلى الجدل المقيت، والدوران في فناجين الفراغ، وسلال الإفلاس، ويقعون على تعبير المناطقة بالتسلسل والدور، أو بالجدل البيزنطي، “وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل”، يأتي هذا الحوار لتأكيد أن الخير في الأمة، إلى يوم القيامة، لقد كنت مرتاحاً وسعيداً بهذا اللقاء، شكلاً ومضموناً.

4- حوار الإسلاميين، له أهمية خاصة، فهم صمام أمان، بصلاحهم تصلح الأمور، وبغير ذلك تتشكل مقدمة خطر، تحمل في جعبتها كثيراً من معاني الخوف والتوجس والوجل، كيف لا! ومن أطيافهم العلماء، الذين هم ورثة الأنبياء، وملح البلد، ومن يصلح الملح إذا الملح فسد؟! (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

5- حوار الإسلاميين، لا يعني حصر الأمور فيهم، وأنهم لا يتواصلون مع غيرهم، بل كل الحضور يجمعون على أنهم جزء من الحياة والمجتمع، وهذا يترتب عليه خير كثير، ومسؤولية إضافية، من حيث الرؤية والممارسة، تبدأ من الاعتراف بالمكونات الأخرى، واحترام سنن المواطنة، وجميع الناس، في لغة العدل سواء، والظلم هو هو، وصف واحد يشمل ركني الظالم والمظلوم، لا تمييز بسبب انتماء، فالحوار الإسلامي يؤكد سياقات الحوار الوطني، والتفاعل مع القوى المجتمعية، واحترام الخصوصية، ومنع الاحتراب بسبب التغاير.

6- الحوار في طياته حزم اختلاف الرؤى ووجهات النظر، والاجتهادات المتعددة، وهذا لا ضير فيه، ولكن يكون مصيبة عندما يتحول إلى تضاد وخصومة أو عداوة، والأصل أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وهذه هي القيمة الرفيعة، والمعنى الكبير، الذي يزرع في نفوس المتحاورين، فلا يحتكر الحق لنفسه، ويعطي فسحة الفرصة لغيره في عالم الاجتهاد، ولو في عالم الاحتمال، ورحم الله الإمام الشافعي لما قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، أما قاعدة رأيي أو الطوفان، فهذه كارثة تؤصل للنزاع والخصام، ويزرع بذور الفتنة، وهي عينها الفرعونية الضالة، وما الذي حدث من تعدد القراءات للنص، يوم قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: “لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة” إلا دليل من أدلة كثيرة تبرهن على الذي ذكرنا.

7- الحوار يرسخ قيمة التعاطي الحر مع القضايا، بلغة البحث عن الراجح النافع، بعيداً عن التعصب والانغلاق، ومن أسسه نبذ الغلو (التطرف) بكل صنوفه وأشكاله، وسائر بروزاته ونتوءاته الخطرة، فلا يجتمع الحوار والغلو في جوف واحد، سواء في فرد أو جماعة، لذا كان التحرر من الغلو، واسطة العقد للحوار الناجح، واتفق الحاضرون على نبذ الغلو، وإعلاء شأن سماحة الإسلام ووسطيته، في الفهم السليم لهما؛ “فإن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى”.

8- حقاً إن البعد جفاء، وهو سبيل من سبل مداخل الشيطان، في الوسوسة وإحداث الشرخ بين العاملين، وزيادة الفجوة، والقرب والحوار، تواصل ولقاء، وبناء ونماء، وتعاون وتكاتف، وتكامل وتحاب، وطريق نحو التفاهمات الصائبة، والتوصل إلى الأنظار النافعة؛ “وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”.

فما أحوج الناس إلى الاقتراب من بعضهم، ففي القرب تتحقق جملة من القرب، فإلى مزيد من الحوارات، فلغة الحوار أسلم مناهج الوصول إلى التعاون، وإلى قوارب النجاة، وسفن حاملات النجاح اليوم حتى يسقط هذا النظام المجرم، ومن معه من الطائفيين المجرمين، وغداً يوم يحمل جميع المخلصين، أمانة بناء سورية على قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان.

Exit mobile version