فضيحة مجلة الأزهر!

شيرين عرفة (*)

 

بعنوان “ثالوث الشر: الإخوان.. الملحدون.. الشواذ”، كتب أحمد السيد تقي الدين مقالة في المجلة الشهرية التي تصدرها وتشرف عليها مؤسسة الأزهر الشريف، أكبر مؤسسة إسلامية سُنية في العالم، تتبع المنهج الوسطي، في عددها الأخير لشهر شعبان 1436هـ.

وبدأ الكاتب – والذي هو للمفارقة مدير تحرير المجلة – مقالته بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتنطعين وهلاكهم، وهم الذين يشددون على الناس دينهم، ثم أتبعها بسؤال يقول: ماذا كانت نتيجة هذا التنطع؟!

والعجيب أنه رد على سؤاله هذا بأسئلة أخرى عديدة، وكأنها نتيجة لهذا التنطع، فقال:

• من الذين حرموا تهنئة المسيحيين بأعيادهم؟

• من الذين حرموا شم النسيم وأكل الفسيخ به؟

• من الذين سبوا السادة الصوفية (ولاحظ هنا وصفه لشيوخ الصوفية بالسادة) وتقوَّلوا عليهم بالإثم والبهتان؟

وقبل أن نستكمل باقي أسئلته، يمكننا أن نخمن أن إجابة الأسئلة السابقة تكمن في بعض دعاة السلفية، وليست بالطبع كل السلفية، فهم أول من نادوا بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وحرموا الاحتفال بشم النسيم، ولهم كثير من الانتقادات على الصوفية والصوفيين.

ثم تابع أسئلته:

• من الذين دمروا الآثار الإنسانية من فرعونية وآشورية وإسلامية؟

ويبدو هنا السؤال عجيباً بالفعل، فلم يدمر أحد الآثار الفرعونية، اللهم إلا محاولات “نابليون” قائد الحملة الفرنسية – لتدمير أبي الهول، ولم يفلح في ذلك.. ولم يقترب أحد من الآثار الإسلامية اللهم إلا قوى الاستعمار الأجنبية وعلى رأسهم “إسرائيل” وما تفعله في آثارنا الإسلامية في القدس، ومحاولاتها المستميتة لهدم المسجد الأقصى بحفر الأنفاق والحفريات أسفل منه، لبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه، بينما بعض الآثار الآشورية التي وجدت على هيئة تماثيل في بعض مدن العراق والشام، فقد حاولت تدميرها قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهم لا يتبعون أي اتجاه إسلامي أو حركات إسلامية معاصرة، بل يكفِّرون باقي التيارات التي لا تتبع منهجهم، وأول من كفروهم كانت جماعة الإخوان المسلمين، فهم تنظيم عجيب لا يعلم أحد من ساهم في تكوينه؟ وما علاقته بالأنظمة الغربية؟ وكيف يتمدد بهذا الشكل؟ ولماذا لا يظهر سوى في البلدان التي تريد الولايات المتحدة التدخل فيها والسيطرة عليها؟ فهو تنظيم يحمل العشرات من علامات الاستفهام؟!

يستكمل الكاتب أسئلته التي لا علاقة لها ببعضها، ويخلط الحابل بالنابل، إما بجهل شديد أو عن قصد وسوء نية، فيقول:

• من الذين يتعمدون إفساد الأزهر الشريف؟

• من الذين قاموا بهدم الكنائس في مصر؟

• من الذين يفجرون أبراج ومحولات الكهرباء؟

• من الذين يدمرون محطات الصرف الصحي؟

• من الذين يسممون مياه الشرب؟

• من الذين استحلوا دماء ضباط الجيش والشرطة؟

وهي الأسئلة التي لم تستطع الدولة المصرية بكل مؤسساتها أن تجيب عنها، فلم تجرِ الداخلية المصرية تحقيقاً واحداً يكشف عن المتسببين في التفجيرات المتتالية التي تشهدها مصر منذ الانقلاب العسكري المشؤوم في الثالث من يوليو، ولم يُقدَّم أحد للمحاكمة بتهمة تفجير أحد المحولات، أو استهداف ضباط في سيناء، ولم نسمع عن أحد قام بتسميم المياه، اللهم إﻻ الإهمال الحكومي في مرفق المياه في مصر، واستهتار القوات المسلحة، التي أسقطت صندلاً محملاً بالفوسفات في مياه النيل.

كما لم تهدم الكنائس في مصر، وكافة الاعتداءات التي حدثت عليها، اتهم رعاتها الأمن المصري بالتقصير في حمايتها، وجعلوه المتسبب في الاعتداءات.

بينما يجيب الكاتب عن تلك الأسئلة التي لا علاقة لها بعضها ببعض، قائلاً: “الجواب: هم المتنطعون، هم الإخوان المجرمون، وحسبهم دعاء رسول الله عليهم بالهلاك”.

هكذا يتصور هذا الكاتب، أن بسبِّه لجماعة كان لها الفضل في الحفاظ على روح الإسلام وحيويته في أشد العصور قسوة، في عصور الاحتلال وعقب انهيار الخلافة الإسلامية، وهو القول الذي قال به علماء كُثر من كافة الاتجاهات والتيارات الدينية في العالم، جماعة تنتشر في كل بقاع الأرض، ويعتنق فكرها عشرات الملايين في عشرات الدول حول العالم، يقف ببساطة ليصمهم جميعاً بالإجرام، وينسب لهم مصائب الكون جميعها، بجرة قلم منه.

بل هذا الكاتب – الذي من المفترض أنه مسلم وتخرج في جامعة إسلامية وسطية هي الأزهر الشريف – يصل به الشطط والحقد على الإخوان أن يجعل منهم شراً عالمياً، يهدد البشرية، ويتفوق في شره على الشواذ والملحدين!

أي عقل يمكن أن يقبل بهذا الهراء؟!

● أين الأزهر مما يحدث؟ وكيف قبل بذلك د. محمد عمارة؟!

إن تلك المقالة المذرية تدفع الجميع للتساؤل:

• كيف سمحت مؤسسة الأزهر الشريف بخروج مثل تلك الترهات، ونشرها في مجلة تنفق عليها وتشرف على إصدارها؟!

• وكيف سمح عالم كبير مثل د. محمد عمارة، رئيس تحرير المجلة بنشر تلك القاذورات على صفحات مجلته؟!

• ولماذا لم يقدم استقالته اعتراضاً على تلك الفضيحة المشينة؟

كيف له أن يقبل بهذا الخزي والعار، وهو صاحب التاريخ المشرف، والصفحات المضيئة والناصعة؟!

● ماذا قال العلماء ورجال الدين عن جماعة الإخوان المسلمين؟

لقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، فتوى باسم المشايخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، عبدالرزاق عفيفي، عبدالله بن قعود، عبدالله بن غديان، يرحمهم الله جميعاً، وجاء فيها ما نصه أن “أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه أهل السُّنة وهم أهل الحديث وجماعة أنصار السُّنة ثم الإخوان المسلمون، وبالجملة فكل فرقة من هؤلاء فيها خطأ وصواب، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء مع التناصح والتعاون على البر والتقوى”.

بينما قال عنها الشيخ محمد متولي الشعراوي: “الإخوان المسلمون شجرة طيبة ما أروع ظلالها وأورع نضالها رضي الله عن شهيد استنبتها وغفر الله لمن تعجل ثمرتها”.

● وعن دورهم في النضال ضد المحتل وحماية أوطانهم:

فإن الصدق ما شهد به الأعداء:

فمن شهادات الكتَّاب الإنجليز في دور الإخوان المقاوم للاحتلال الإنجليزي، كان الكاتب “توم ليتل” حيث وصف دور الإخوان في مقاومة الاحتلال الإنجليزي ومدى تأثيره: إنَّ كلَّ الحركاتِ النشطة والعاملة في مصر بما فيها حزب الوفد اشتركت في العملياتِ الهجومية ضد قوات الجيش البريطاني المرابطة في قناة السويس, ولكن المصدر الذي انبعثت منه إستراتيجية حرب العصابات ضد الإنجليز، وإثارة الشغب ضدهم، تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، المتوغلة في تطرفها الوطني.

وأشار الكاتب الإنجليزي “جوردن ووتر فيلد”: إلى أنَّ تلك المعركة التي خاضها شباب الإخوان اضطرت رئيس وزراء بريطانيا آنذاك ونستون تشرشل إلى قطع إجازته والعودة إلى لندن ليشرف بنفسه على خطط وزارة الدفاع البريطانية لمواجهة تزايد أعمال المقاومة التي كان يقودها الإخوان المسلمون ضد القوات البريطانية في مصر.

● ويتبقى سؤال أخير طرحه الكاتب في ثنايا أسئلته العقيمة، حيث سأل: من الذين يتعمدون إفساد الأزهر الشريف؟

وهو السؤال المنطقي الوحيد الذي يمكن الإجابة عنه.

والإجابة: بالتأكيد هم الجهلة والفسدة، أمثال هذا الكاتب، الذين يتحدثون بلسان الانقلاب العسكري ويدعمونه ويؤيدونه في قتل الأبرياء ونهب الثروات، ويحاولون تشويه جماعة إصلاحية دعوية, كانت جزءاً أصيلاً من تاريخ الأمة ونضالها نحو التحرر, منذ أكثر من ثمانين عاماً، فقط ليكسبوا ود حاكم طاغية, انقلب على من وصل من أبناء الجماعة في انتخابات حرة ونزيهة لحكم مصر.

 

(*) موقع “كلمتي”

 

Exit mobile version