اطحن حباً.. أو رملاً!

علي بطيح العمري

فن البرمجة اللغوية والعصبية، المعروف بــ”nlp” فن يركز على تطوير الذات والارتقاء بها، فن مختص ببرمجة الذات على الإيجابيات وترك السلبيات، في برمجته للذات يعتمد على “التركيز”، فإن أنت ركزت على شيء ما ستجده يتكاثر من حولك، وأيضاً يعتمد على “التكرار”؛ كرر جملة ما، وكلمات إيجابية ستصبح لديك عادة وسجية.

إن أردت النجاح – قارئي العزيز – برمج نفسك على الإيجابيات في التفكير، واللغة والأفعال، وابتعد ألف قدم عن السلبيات، ومسبباتها.

وقد قيل: راقب أفكارك؛ لأنها ستصبح أفعالاً، راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات، راقب عاداتك لأنها ستصبح طباعاً، وراقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك.

ولابن القيم كلام قريب مما سبق حيث يقول: دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، ودافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صارت عادة يصعب عليك الانتقال عنها.

فن الــ”nlp” غربي التصنيع والاستمارة، يمكن أن نجد له أسساً في تراثنا وثقافتنا.

ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: “أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء..”، هذا الحديث مهم وخطير، ومعناه: أنا فاعل بعبدي ما يظن أنني سأفعل به، فالذي يظن النجاح ويتوقع الخير سيجده، وإن توقع الفشل وسلك دروبه لقاه!

عاد النبي عليه الصلاة والسلام أعرابياً مريضاً يتلوى من شدة الحمى، فقال له مواسياً: “طهور إن شاء الله”، فقال الأعرابي: كلا، بل هي حمى تفور، أو تثور على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال النبي: “فنعم إذاً”، فنعم أي لك ما أحببت ورغبت به من الموت.

ويعلق الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – على الحديث بقوله: يعني أن الأمر يخضع للاعتبار الشخصي، فإن شئت جعلتها تطهيراً ورضيت، وإن شئت جعلتها هلاكاً وسخطاً؛ فالعمل الواحد بما يصاحبه من حال نفسية يتغير تقديره تغيراً كبيراً.

يقول ابن القيم في وصف النفس والخواطر: خلق الله النفس شبيهة الرحى الدائرة – آلة الطحن – التي لا تسكن، ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وُضع فيها حب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها؛ فمن الناس من تطحن رحاه حباً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصى وتبناً ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه.

هكذا هي النفس، وهكذا هي برمجتها، فالخيار لك؛ إما أن تطحن حباً، تجني ثماره، وإما أن تطحن رملاً؛ لتفلس في النهاية!

Exit mobile version