لا تسبُّوا الشعوب العربية

 

فيصل الزامل

 

توجيه اللوم للطفل الذي تعرض للاغتصاب بدلاً من ملاحقة المجرم هي مساعدة للمجرم، وهذا ما يحدث من قيام البعض بالكتابة في شتم الشعوب العربية المضطهدة بأنظمة قادتها إلى الخراب والفقر وهجرة الشباب بالملايين عبر البحر والبر، لقد نجحت هذه الأنظمة في تنفيذ مخططات “إسرائيل” لإضعاف هذه الأمة، وقد كانت الصدمة الكبرى لـ”إسرائيل” هي في هزيمة 1973م واستعادة مصر لسيناء، وكان جزاء “السادات” هو الاغتيال على أيدي سذج حققوا لـ”إسرائيل” معاقبته في مقابل تكريم الرئيس الذي ساعدهم – أيضاً بسذاجته – في احتلال سيناء وباقي فلسطين، وعند إلقاء نظرة سريعة على الأعمال الإرهابية التي تجتاح العالم عبر معلومات من صفحات الإنترنت نجد التالي:

* سجل تقرير هيئة “يوروبول”، وهي وكالة إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي، الذي صدر العام الماضي، أن الغالبية العظمى من الهجمات الإرهابية في أوروبا ارتُكبت من قبل الجماعات الانفصالية، وعلى سبيل المثال، كان هناك 152 هجوماً إرهابياً في أوروبا عام 2013م، ولكن كانت “الدوافع الدينية” وراء 2 فقط من هذه الهجمات، مقابل 84 عملية إرهابية بسبب المعتقدات العرقية أو القومية أو الانفصالية، ونحن نتحدث هنا عن هجمات تتم بالصواريخ ضد مراكز شرطة في فرنسا.

* في اليونان، قتلت القوات الثورية الشعبية اليسارية المتشددة في أواخر عام 2013م اثنين من أعضاء حزب اليمين “الفجر الذهبي”، وفي إيطاليا أمثلة أخرى لإرسال قنابل للصحفيين.

هل سمعت بهذه الهجمات؟

ربما لا، ولكن لو كان المسلمون هم من ارتكبوها، فهل تعتقد أنها كانت ستحظى بذات القدر من التغطية في وسائل إعلامنا؟

* حتى بعد وقوع واحدة من أسوأ الهجمات الإرهابية في أوروبا عام 2011م، عندما ذبح “أندرس بريفيك” 77 شخصاً في النرويج لتعزيز أجندته المعادية للمسلمين وللمهاجرين، والموالية لـ”أوروبا المسيحية”، كما ذكر هو نفسه، ألم نرَ الصحافة تغطي الموضوع بالطريقة التي تحدث عندما يكون الإرهابي من خلفية عربية.

* بالإضافة إلى ذلك، لم نرَ خبراء الإرهاب يملؤون ساعات البث الإخباري متسائلين: كيف يمكننا أن نوقف الإرهابيين المسيحيين في المستقبل؟ بل في الواقع، عندما وصف المذيع “بريفيك” بأنه “إرهابي مسيحي” لقي غضب الكثيرين، هذا ما حدث مع “بيل أورايلي” من شبكة “فوكس نيوز”.

خذ هذه أيضاً:

* أشار تقرير وزارة الخارجية عام 2013م عن الإرهاب أن المستوطنين “الإسرائيليين” نفذوا 399 عملية إرهابية، حيث هاجم هؤلاء الإرهابيون اليهود المدنيين الفلسطينيين؛ مما تسبب في إلحاق إصابات جسدية بـ93 منهم، وكذلك تخريب عشرات المساجد والكنائس المسيحية.

* في أمريكا أيضاً، تعتبر نسبة الهجمات الإرهابية التي ارتكبها المسلمون ضئيلة تقريباً كما هي الحال في أوروبا، حيث وجدت دراسة مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، الذي بحث في الإرهاب الذي ارتُكب على الأراضي الأمريكية بين عامي 1980 و2005م، أن 94% من الهجمات الإرهابية ارتُكبت على يد غير المسلمين، وفي الواقع، تم تنفيذ 42% من الهجمات الإرهابية من قِبَل المجموعات ذات الصلة باللاتينيين، و24% منها ارتكبتها الجهات اليسارية المتطرفة.

* وجدت دراسة لجامعة ولاية كارولينا الشمالية في عام 2014م، أنه، ومنذ هجمات 9/11، لم يؤدِّ الإرهاب المرتبط بالمسلمين إلا لمقتل 37 من الأمريكيين، في حين أن 190 ألف أمريكي قتلوا في تلك الفترة الزمنية، إلا أن وسائل الإعلام لدينا ببساطة لا تغطي الهجمات الإرهابية التي ينفذها غير المسلمين بنفس الحيوية والاهتمام، بينما تصاغ القصص حول “الآخرين” المرعبين، وهي قصص تحقق دخلاً مجزياً لكاتبها؛ لأنها تكتب على طريقة الخير مقابل الشر، بحيث يؤدي الأمريكيون فيها دور الصالحين، و يؤدي فيها المسلمون دور الأشرار.

الكتابات اليائسة التي ينزلق إليها بعض الكتَّاب العرب هذه الأيام يقابلها حماسة من المجتمع الدولي لتخفيف آثار الأحداث على الشعوب العربية، والمأمول من هؤلاء الكتَّاب العرب أن يكونوا بمثابة سيارة إسعاف “ذهني” للجماهير العربية، وألا يقل حماسهم عن المسعفين الأجانب في مساعدة ضحايا أنظمة البطش، بدلاً أن يكيلوا التهم بشكل طائش، للضحية قبل الجاني! 

Exit mobile version