“داعش” ستتمنى لو أن “النهضة” فازت بتونس

 

هيثم الكحيلي

أول سؤال خطر ببالي بعد وقوع حادثة متحف باردو في العاصمة التونسية هو كيف كان حال تونس ليكون في حال كانت حركة النهضة على رأس السلطة التنفيذية والتشريعية، وفي حال كانت القوى العلمانية وبالتحديد حزب نداء تونس في المعارضة.

للقياس يمكن أن نعود إلى كل الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها تونس في عهد الائتلاف الحكومي الذي ترأسته حركة النهضة، فعلى سبيل المثال، وبعد قيام نفس التيار الذي نفذ عملية باردو بتنفيذ عملية اغتيال السياسي شكري بلعيد في فبراير 2013م بادر الاتحاد العام التونسي للشغل إلى دعوة أنصاره إلى تنظيم إضراب عام في كامل تراب الجمهورية، ودعا الباجي قائد السبسي، رئيس نداء تونس آنذاك، إلى حل المجلس الوطني التأسيسي وحل كل المؤسسات المنبثقة عن انتخابات أكتوبر 2014م.

وفي يوليو 2013م، استغلت المعارضة التونسية بتياراتها “الحداثية” و”اليسارية” و”القومية” حادثة اغتيال البرلماني “محمد البراهمي” لتدعو نوابها لمقاطعة أنشطة المجلس الوطني التأسيسي، ولتنظم اعتصامات في مختلف محافظات الجمهورية التونسية مطالبة بإسقاط الحكومة والبرلمان والرئيس؛ بحجة فشلهم في معالجة الإرهاب، مستعينة بالآلة الإعلامية الضخمة التي انتهت من تغطية أنشطة “تمرد” المصرية لتنتقل لتغطية أنشطة “تمرد” التونسية.

ورغم أن حركة النهضة تمتلك اليوم من الشعبية ما يكفي لتنظيم وحشد اعتصامات أكثر تأثيراً من تلك التي حشدتها الأحزاب “المتمردة” في عام 2013م – أصفها بالمتمردة لأنها انضمت آنذاك لحركة “تمرد” – نجد أن قادة حركة النهضة وفور صدور نبأ عملية متحف باردو، بادروا إلى تصدر شاشاة التلفاز، مؤكدين على اصطفافهم إلى جانب الدولة ضد الإرهاب كما بادر رئيس الحركة، الشيخ راشد الغنوشي، إلى إعلان دعمه ودعم حركته للدولة ولرئيس الجمهورية في الحرب ضد الإرهاب.

اصطفاف حركة النهضة إلى جانب الحكومة بعد أزمة عملية باردو جعل صحيفة “الشروق” التونسية اليومية، تنشر مقالاً عنوانه “الشيخان يقودان المصالحة الوطنية”، كتب فيه الصحفي خالد الحداد: “لم ينتظر الأستاذ راشد الغنوشي الكثير من الوقت حتى يتفاعل مع تصريحات رئيس الجمهورية بخصوص المصالحة الوطنية بشكل بدا كأن تفاهماً كبيراً موجوداً بين الشيخين للتقدم نحو إنجاز مهمة جديدة”.

وإن كان من حق نداء تونس وأنصاره أن يَسعدوا بعدم لجوء حركة النهضة للانتقام من ممارسات حزبهم ومؤسسه الباجي قائد السبسي في السنوات الماضية؛ فإن من حق تنظيم “داعش” ومن ناصره أن يَحزنوا لفشلهم في تحقيق أحد ركائز خططهم الإستراتيجية؛ وهو إقحام الإسلاميين في صدام مع الدولة، وإثبات فشل النظام الديمقراطي، وذلك من خلال إثبات تمرد العلمانيين على الديمقراطية عند فوز الإسلاميين في الانتخابات – وهو ما حدث فعلاً – ثم من خلال إثبات بطش العلمانيين بالإسلاميين عند فوزهم بالانتخابات وهو الخيار الذي كان مرجحاً أن يجنح له حزب نداء تونس في حال كانت حركة النهضة قد اختارت ممارسة حقها السياسي البديهي في معارضة حزب الأغلبية.

والسؤال الآخر الذي خطر ببالي وأفترض أنه خطر ببال معظم المتابعين للشأن التونسي والغيورين على هذا البلد، يدور حول مدى قدرة تنظيم “داعش” على تنفيذ أعمال إرهابية أخرى في تونس، والجواب هو أن الجهاز الأمني التونسي – في أحسن الأحوال – لن يكون أكثر صلابة من الجهاز الأمني البريطاني أو الفرنسي؛ وبالتالي تبقى إمكانية حدوث أعمال إرهابية أخرى في تونس واردة تماماً كما هو الأمر بالنسبة لكل دول العالم.

وباختصار، يجب أن نتنبه إلى أن الهدف من الأعمال الإرهابية ليس تلك الأضرار المادية والبشرية الناتجة عن العمليات، وإنما تلك الصدمة التي تعطل المشهد السياسي وتحوله إلى فوضى في المجتمع تصنع المناخ الذي تحتاجه التنظيمات الشبيهة بتنظيم “داعش” لاستقطاب أنصار جدد وتوسعة أنشطتها، وهو ما لا يمكن أن يحدث في ظل التوافق السياسي الحالي.

Exit mobile version