وزير الثقافة أزهري.. يا للهول!

 

د. حلمي محمد القاعود

 

هاجت عصابة الإفك والبهتان في الحظيرة الثقافية بعد إقالة صديقي اللدود جابر عصفور من وزارة الثقافة للمرة الثانية، المرة الأولى كانت في عهد الوزارة العسكرية الأخيرة قبل الثورة برئاسة أحمد شفيق، قضى فيها عصفور عشرة أيام، ونهره المذكور في أحد الاجتماعات لسبب ما، فلزم بيته وأرسل استقالة لم يتسلمها أحد، وحسمت الثورة الأمر بذهاب شفيق ورجاله.

الإقالة الثانية تمت مؤخراً بمعرفة الانقلاب، وانقسمت عصابة الإفك والبهتان في الحظيرة إلى فريقين، أولهما شمت في عصفور، وأظهر فرحه بإقالته، وراح يدندن على أخطائه وخطاياه، ويصفه بأنه مرتبك، متخبط، مشوش، مغرق في التناقض، ويشخصن المسؤولية، وأنه لم يخض معركة تنويرية حقيقية في أثناء وزارته، وكل ما أثاره «معارك مفتعلة» لا تليق بمسؤول حقيقي، ويستنكر هذا الفريق تصوير «عصفور» في صورة «البطل التنويري»؛ لأنه أبعد ما يكون عن هذه الصفة!

الفريق الآخر أخذته الشهامة وراح يدافع عن جابر، ويلقي بالمسؤولية على الأزهر الوهّابي رمز الظلامية والتشدد! وتحدث عن ذكاء عصفور وقدرته على تفسير الأمور وبيان أسبابها الحقيقية، مثلما فسّر عدم قبول شباب اليوم الفكر التنويري بسهولة، فعزاه جابر إلى الاستبداد السياسي الذي سبّب توغّل الإخوان في حياة المصريين؛ مما خلق حالة مستفزة من التعصّب الديني، استفحلت حتى وصلت الآن إلى الإرهاب!

 واستطرد جابر في تفسيره موضحاً أن الدولة لم تختره لسواد عيونه، بل جاءت به لهدف واحد فقط، عمل على تنفيذه بشتى الطرق، وهو التنوير، الذي وضع لبنته، ليسير عليه اللاحقون من بعده.

المقصود بالتنوير هنا مواجهة الإسلام واستئصاله، ومحاربة رموزه، وإن تزيّت هذه الحرب بمحاربة الإخوان والإرهاب، فالتنوير بمفهومه الأوروبي رفض الغيب، وإنكار الوحي، والإيمان بالقوة التي أنتجت الاستعمار الغربي لمعظم بلاد الشرق وأفريقية، ونهب الثروات، وفتح الأسواق!

تحدث أنصار جابر من هذا الفريق عن إنجازاته وبطولاته في الوزارة / الحظيرة، ومن بينها ما أطلقوا عليه “مشهداً إنسانياً وطنياً رائعاً”، وهو يحضر بنفسه، وقيادات الثقافة، وجموع المثقفين، حفلاً مُبهراً في بورسعيد لشبابها من المسيحيين، جنباً إلى جنب رموز الكنيسة!

بالتأكيد فالفريقان يقوّمان الوزير الانقلابي المقال ويقدّرانه على أساس مدى إفادتهم من التكية / الحظيرة، فمن حُرم من عطاياها أو قلّت في عهد عصفور، فالشماتة والفرح بإقالته كان أمراً طبيعياً، ومن استمرّت عطاياها له، أو ازدادت كان حزنه على إقالته كبيراً، وإشادته به أكبر!

بيد أن المشكلة الحقيقية لم تكن في الوزير المقال، ولكن تمثلت في الوزير الانقلابي الجديد الذي جاء من الأزهر المعمور، أو الأزهر الوهّابي حسب رأي عصابة الإفك والبهتان في الحظيرة الثقافية.

الوزير الانقلابي الجديد كان منتدباً في سنوات خلت وفي أثناء الثورة المجهضة للعمل في دار الكتب والوثائق القومية، واشتهر بين العصابة بأنه رجل أرشيفجي، مشغول بتسجيل الكتب والوثائق، وفقاً لنظام حديث يسهل حفظها وتداولها، وكان مرضياً عنه بشكل عام من رموز الحظيرة وقادتها، ولكنه بعد تعيينه وزيراً للثقافة، واستدعائه من قطر التي كان معاراً إلى جامعتها، قلبت الحظيرة له ظهر المجنّ، وراحوا ينعتونه بالوزير الوهّابي القادم من الأزهر أو عش الضبابير الوهابية كما قال حظائري شيوعي وغد، الحظيرة وصفت الوزير الجديد بالرجل الذي لا يعرفه أحد, ولم يعرف عنه أي نشاط ثقافي.. كما رأت أن إقالة عصفور وتعيين الوزير الجديد مرتبط بنفوذ الأزهر وسلطته الدينية.

لوحظ أن الأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري الدموي الفاشي شنت بعد تعيين الوزير حملة ضارية على شيخ الأزهر دون مقدمات، وبغير أسباب واضحة، تساءل أبو لهب الانقلابي: “ماذا فعل الأزهر حتى الآن منذ أن قال قائد الانقلاب: نحن في حاجه لثوره دينية؟”، وخاطب الشيخ قائلاً: “اتنحَّ يا أخي يرحمكم الله، لو مش قادر وتعبان سيبها لحد تاني.. يا أخي هنموت بسببك وبسبب سلبيتك وبسبب ضعفك، يا أخي سيبنا نعيش، عشت سنين كلها ووصلتنا لفكر منحدر، أنت بني آدم مش نبي”!

وتابع أبو لهب: “استقيلوا يرحمكم الله أنت والنائب الإخواني بتاعك اللي وقف خطب في رابعة ولسة موجود لحد دلوقتي”.

هناك آخرون لاموا الشيخ على تقاعسه عن إعلان الثورة الدينية التي طالب بها أتابك عسكر يوم الاحتفال بذكرى مولد النبي – صلى الله عليه وسلم – وتمنى بعض الشيوعيين الأوغاد في التكية / الحظيرة إعادة النظر في منظومة التعليم كلها وفي مناهجها بحيث تتفق مع الدستور، بحيث يلغي التعليم الديني والمعاهد الأزهرية في مراحل التعليم الأساسية، ويبقى التخصص في العلوم الدينية للراشدين في سن الدراسة الجامعية، مثل كل بلاد الدنيا، ورأى الوغد أن ذلك عشم إبليس في الجنة، والدليل لديه وزير الثقافة الانقلابي الجديد!

الأعجب أن عصابة الإفك والبهتان الحظائرية أنبأتنا أن الوزير الجديد خلية إخوانية نائمة، وطالبت بإقالة رئيس الوزراء نفسه وليس الوزير فقط، لقد زعموا أن هناك تقريراً لما يسمى الأمن القومي عن وزير الثقافة الجديد أرسل إلى رئيس الوزراء قبل اختيار الوزير يشير إلى أنه خلية نائمة لجماعة الإخوان! وأن الوزير الجديد تولى التنسيق بين المخابرات القطرية وجماعة الإخوان في مصر, وتولى عدداً من الملفات الشائكة على رأسها ملف التمويل, وجاء في التقرير أن عملية فصله من منصبه بالإدارة المركزية لدار الوثائق القومية, كانت ضمن عملية تمويه لعدم لفت الانتباه إليه, وحتى يتولى بعدئذ ملف التمويل القطري للإخوان من دون أن تثار حوله الشبهات! ثم فاجأنا رئيس وزراء الانقلاب بنفي الموضوع من أساسه!

واضح أن الانقلاب في حربه ضد الإسلام يعمل بكفاءة من خلال التكية / الحظيرة الثقافية لإرهاب أي مسؤول يتبنى الثقافة القومية أو يسعى إلى الوقوف محايداً، وها هو شيخ الأزهر بعد كل ما قدمه من تأييد للقتلة الانقلابيين في رابعة والنهضة وغيرهما يلقى جزاء سنمار، مثلما جرى لوزير الداخلية المقال، ويعاقب لأنه لم يحول الإسلام باسم الثورة الدينية إلى فرع صريح ومباشر للكنيسة!

الله مولانا، اللهم فرج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

 

Exit mobile version