عتاب رقيق عميق ونداء

 

سالم الفلاحات

عاتبني صديق قريب بأدب, بل عاتبتني نظراته قبل لسانه, استمع إليه قلبي قبل أذنيّ, وهو والد اثنين من الشباب المعتقلين في سجوننا قبل شهور، ولم يكن قد شكا عندما كان أكبرهم معتقلاً في سجون الاحتلال الصهيوني لسنوات طويلة.

 لكنه ما علم أن قلبي قد أنّبني قبل عتابه, وكذا مشاعري وأحاسيسي, وإلا فلست إنساناً أو لست وفيّاً، أو لست مسلماً يعرف حقوق إخوانه عليه, فكيف إن كانوا أبناءه ومن أقرب الناس إليه؟

ربما لم يعلم أن أحدنا أصبح يخجل من نفسه ومن أهل بيته الذين لا يتوقفون عن السؤال الأقرب إلى السخرية، وبخاصة عندما تخرج مبكراً وتعود متأخراً قائلين هاه حررتوها! وبرقبة من هؤلاء الشباب السجناء؟

يا صاح.. ربما أرادوا إقناعنا أنَّ هذه العينة من الشباب الأردني الصادق لا مقام لهم بيننا فليخرجوا من قريتنا إنهم أناس يتطهرون!

وإنْ كانت الحرية هي الأساس، وهي حق لا مراء فيه، وإن السجون للمجرمين مع سبق الإصرار، وللشواذ وأعداء الوطن، لكن لعله في بعض الأحيان يكون السجن هو المكان الأوسع في ظل تزاحم الباحثين عن حياة, والأكثر حرية وهو الذي يتسع للأحرار حتى تزول سحابة الصيف عما قريب إن شاء الله، وقد قالها يوسف عليه السلام من قبل: “رب السجن أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه..”.

لك الحق في الشكوى يا أخي وللسجناء الأحرار فرج الله عنهم فإليه وحده المشتكى.

لك الحق في العتبى وحتى التقريع، فلم تعد ترى ولديك يقبّلان يدك كل صباح وتسعد بهم, فأصبحت تسرق بعض الوقت المتبقي لك بعد مراجعة الأطباء وبعض العمل الذي يغنيك عن الحاجة للناس لتزورهم في السجن، وهذا يحتاج منك لوقت وجهد ومال وألم ربما أكثره توافراً الألم.

إن الذي يزيدني ألماً هو ما سمعنا عن التهمة الموجهة لهم ولأصحابهم أنهم حاولوا أن يكونوا كباراً كما قرؤوا عن أجدادهم الكبار أمثال كايد مفلح العبيدات البطل رحمه الله قبل مائة عام، وهؤلاء يصدقون أحاديث الكبار، ولا يعرفون النفاق، فلا تلوموهم أنهم تعلموا دروساً من شهداء الجيش العربي الأردني على أسوار القدس وصور باهر والسموع وجنين واللطرون وباب الواد، إنهم قرؤوا قصة القائد الشهيد الشويعر، وسعد ناصر الهقيش، وآلاف الأردنيين في عهد الصفاء تعلموا من كبار المحاضرين الأساتذة الحقيقيين بالدم لا بالقلم أو اللسان، يزغردون ويكبرون على ظهور الدبابات لا في باطنها، وكأن الموت قد مات بحقهم لله درهم!

لا تلوموه قد رأى         منهج الحق مظلمـــــــــــــــاً    

وبلاداً أحبهـــــا            ركنها قد تهدمــــــــــــــــــا

وعلوجاً ببغيــــهم        ضجت الأرض والسما

فيا أولي الأحلام والنهى، ويا أولي الأمر، والأمرين بسجن أبنائهم هؤلاء هم عدتكم وبناة الوطن والمدافعين عنه إن جَدّ الجد، أفسحوا لهم مساحة من الصفح والتسامح، ولا تتركوهم نهباً لاجترار آلامهم وظلمهم.

يا ضمائر القضاة، يا أصحاب الرأي والنصيحة والبطانة يا أصحاب الأقلام يا أهل الجاه، إن الوطن يستبطئ تحرككم حتى الساعة لطي كل ملفات النزاع الداخلي، ونحن في بلد تتناوشه الأخطار من كل جانب والتهديدات، ونسأل الله أن يحفظه آمناً مطمئناً.

إن هؤلاء الشباب الأطهار إن جنحوا أيها السادة فخذوا بأيديهم، وإن زَلّوا احتاجوا إلى عين ترشدهم، وإن غفلوا أو اجتهدوا فمن لهم؟

لم أزد أن صغت مشاعر والد مكلوم وأم تتحسر، وما تحسرت يوم كانت تضحيتهم في الميدان الصحيح أمام العدو الإستراتيجي الصهيوني، ولم تزدني نظراتك وعتابك إلا استشعار حجم الخطر الذي يتهدد الوطن كله إن استمرت الغفلة, وبقيت سهامنا موجهة إلى نحورنا بينما العدو يعيث فساداً في بقعة من أقدس مقدساتنا في الأقصى المبارك، ونحن نتلهى على شواطئ التوافه من الأمور.. فهل من سامع؟

 

Exit mobile version