رسالة إلى الرئيس الإندونيسي

 

د. إبراهيم أبو محمد

 ضمن مساعي الرأي العام الأسترالي بما فيه مؤسسات المجتمع المدني في تخفيف عقوبة الشابين الأستراليين من الإعدام إلى السجن المؤبد، ومساهمة من الجالية المسلمة وتفاعلاً مع المجتمع الأسترالي في القضايا التي تعنيه وتشغل مساحة واسعة من اهتماماته؛ كان مسعى مجلس الأئمة والعلماء الفيدرالي، ومكتب سماحة مفتي أستراليا بمبادرة مستقلة في هذا الشأن، لا علاقة لها بأي جهة رسمية أو غير رسمية، وإدراكاً منا بأن العقوبة الصادرة في هذه القضية هي عقوبة تعزيرية وليست حداً، وصادرة من محكمة مدنية وفق القانون المدني، فقد وافق مجلس الأئمة الأسترالي على تفويض سماحة المفتي ببذل مساعيه في هذه القضية، ومن هنا كانت زيارة سماحته للدولة الإندونيسية ولقاءاته بالقيادات الدينية الرسمية والمدنية، وضمن الجهود المبذولة في الشأن ذاته، كانت هذه الرسالة الموجهة من سماحة مفتي أستراليا إلى فخامة الرئيس الإندونيسي، وقد أرسلت إليه عبر القنوات الدبلوماسية.

بسم الله الرحمن الرحيم

التاريخ: 3/3/2015م

 الموضوع: رسالة رجاء إلى فخامة الرئيس الإندونيسي

 فخامة الرئيس الإندونيسي الكريم الأستاذ/ جوكو ويدودو المحترم حفظه الله..

السلام عليكم ورحمة الله وبعد..

لم نشرف بلقائكم من قبل، ومن ثم ففخامتكم لا تعرفني، لكني أشعر أن لي جذوراً عميقة تمتد في البلد الكريم “”إندونيسيا” منذ جاء الإسلام إليها، ثم نمَت هذه الجذور لتكوِّن عصارة حية تمد الشعب الإندونيسي العظيم بإكسير الحياة الدينية؛ ممثلة في زملائنا وإخوتنا من أبناء الشعب الإندونيسي عبر سنوات طويلة من بعثات الإندونيسيين إلى الأزهر، ووفود الأزهر العلمية إلى بلدكم الكريم، ومن ثم فأنا لسْتُ يا سيدي غريباً عنك وأنت لسْتَ غريباً عني.

وما أود قوله لفخامتكم ألخصه في الآتي:

أولاً: نؤكد لفخامتكم وللشعب الإندونيسي الشقيق أننا في أستراليا نُقَدِّر أن روحاً واحدة من الأرواح التي فقدتموها بسبب المخدرات تساوي كل أموال العالم.

ثانياً: إننا نحترم سيادة الشعب الإندونيسي ودولته ولا نتدخل في شؤونه أبداً ونعلم – كما تعلمون يا فخامة الرئيس – أن السياسة والسياسيين يتغيرون، وأن الأوطان هي الثوابت الشامخات التي تبقى، والشعب الأسترالي – والجالية الإسلامية كجزء منه – تعتز به وطناً “ولاء وانتماء” قد أكرم وجودنا كمسلمين، ونحن على يقين أن علاقته بالشعب الإندونيسي علاقة متميزة تمتد قروناً في حسن الجوار والمصالح المتبادلة، بالإضافة إلى القاسم الإنساني المشترك أيضاً بين إندونيسيا والشعب الأسترالي، ومن ثم فالعلاقة في عمومها بين البلدين والشعبين لا يمكن أن تتأثر بحكم في جريمة مخدرات لكم فيها كل الحق، ولا يجادل أحد في عدالتها، أو يتدخل في شؤونكم، أو يعقب على أحكام القضاء الإندونيسي، أو يتردد لحظة في الإشادة بجهود رجال الأمن الإندونيسيين ودورهم العظيم في حماية مجتمعهم والمجتمع العالمي من الجريمة بكل أنواعها وفي مقدمتها المخدرات.

ثالثاً: نود أن نؤكد أن الأحكام الصادرة في حق المذكورين هي العدل ولا يجادل أحد في ذلك.

غير أن ديننا علمنا كما تعلمون – فخامتكم – أن الفضل وهو “الإحسان والعفو” أوسع مدى وأرفع مقاماً وأرجى للتوبة وقبول الإنابة.

وإذا كان العدل هو ما تستقيم به الدنيا، ولا تعتدل موازين الحقوق بدونه، فيقيننا أن العفو هو ما تسمو به الحياة ويتجمل به الوجود والكون، وإذا كان العدل يقتضي موت شخصين امتدت أيديهماً الآثمة بكل أسباب الموت للأبرياء؛ فإن الفضل يا سيدي حين يمنح الحياة رجلين سيدركان قطعاً أن وجودهما إنما هو منحة من الشعب المسلم العظيم في إندونيسيا، منحهم الحياة بعدما قضى – القانون – بالإعدام، فكان العفو أسمى وأعلى وأغلى، وفي ذلك ما تعلمون – يا فخامة الرئيس – من رسم صورة حية للإسلام وأهله وبلاده، وترفعهم بالعفو بعد المقدرة، وعلو أخلاقهم، وسمو إرادتهم على كل عوامل العقاب وإن كان مستحقاً وبعدالة.

بناء على ذلك وتأسيساً على تلك العلاقة القوية والمعاني النبيلة، يتقدم ابن الأزهر المفتي العام للقارة الأسترالية إلى فخامة الرئيس الإندونيسي وحكومته وشعبه برجاء هو:

أننا وبعد كلمة القضاء العادل في إندونيسيا ولا نعقب عليه، نطمع في كرم الشعب الإندونيسي ممثلاً في فخامة الرئيس وحكومته وشعبه أن يهبوا للجالية الإسلامية في أستراليا “هذين الولدين” بتخفيف الحكم لنقدمهما هدية للشعب الأسترالي العظيم الذي أكرم وجودنا هنا، ونريده أن يفرح معنا بهذه الهبة، على أن يقضوا بقية أحكامهم في السجن المؤبد.

فخامة الرئيس، أعرف أن الوقت متأخر جداً، لكن يقيني كمسلم يجعلني أؤمن أن دقيقة واحدة باقية في العمر هي أمل فسيح في رحمة الله.

أشكركم نموذجاً للحاكم الديمقراطي العادل، وأشكر الشعب الإندونيسي الشقيق وحكومتكم الموقرة التي تحرص على حماية شعبها، وتعمل في الوقت ذاته على أن يكون وجود المسلمين في مجتمع المهجر وبخاصة في أستراليا وبين غير المسلمين إضافة حضارية وأخلاقية وحياتية أيضاً.

وتفضلوا بقبول خالص التحية والتقدير..

 والسلام عليكم ورحمة الله.

 

 

Exit mobile version