دور الصدر ومليشياته في تكريت!

 

إنّ من أول الدروس المُستفادة التي يخرج بها المتأمل في المشهد العراقي هو عدم ثبات الكتل السياسية على مواقفها، فالسياسة عندنا ليست فن المُمكن، بل الرقص مع من يدندن! ولا دندنة تعلو في عراق ما بعد الاحتلال على دندنة الألحان الفارسية!

ولعل مشاهد عدم الثبات والتقلب للتيار الصدري وزعيمه مقتدى في مواقفهم وعهودهم بل وحتى تصريحاتهم هي الأشهر في الساحة العراقية، وأعود وأقول: إن هذا التقلب الذي يراه البعض من المساكين فوضى وعشوائية، يراه آخرون قمة في الالتزام بالحركات الراقصة على الألحان الشرقية القادمة من بلاد فارس!

لقد أدرك العراق والعراقيون خداع التيار الصدري وتلوناته من أول أيام الاحتلال، وهو يوهم السُذج من الهيئات والقيادات السُّنية أنه يقف معهم صفاً واحداً ضد الاحتلال الأمريكي، بينما كان جواسيسه العاملون مع الاحتلال ينخرون في أهل السُّنة ويوردوهم المهالك والمعتقلات، حتى إذا ما كان صباح يوم الأربعاء الموافق 11/2/2006م حيث ساعة الصفر الإيرانية بإعلان الحرب الأهلية في العراق، وتفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء؛ نزع الصدريون قناع التعايش وعاثوا في المناطق السُّنية قتلاً وتفجيراً وتهجيراً .

ولا أدري هل هي طيبة قلوب أهل السُّنة! أم سذاجتهم، أم الوضع الحرج الذي أُجبروا عليه، هو الذي جعلهم يتناسون هذا الجرم والغدر ليعودوا ويلدغوا من جحر الصدريين مرتين وثلاثاً، بل وحتى عشر مرات!

وتمر السنين، ويستمر التيار الصدري ومقتداه باللعب على الحبال وتبادل الأدوار، فتارة ساعة يدعي محاسبة الحكومة الفاسدة، فإذا ما توهم السُّنة العرب بصدق توجه التيار، فر التيار من المواجهة والصدام ليترك أهل السُّنة فرادى على مائدة اللئام! وتارة ينادي بضرورة العدل والمساواة وعدم التجريم للعراقيين زوراً وبهتاناً، حتى إذا وافقه العرب السُّنة ووجدوا في خطابه نجاة لذويهم المغيبين في دهاليز الحكومات الطائفية، تبين أن السيد يقصد العفو عن مجرميه لا عن السُّنة الذين يعدون في رؤيته القاصرة وهابيين وإرهابيين.

واليوم ومع انطلاق معارك طرد “داعش” من محافظة صلاح الدين عامة ومركزها تكريت خاصة والتي تعتبر من قلاع “داعش” الإجرامية، يعود تيار الغدر والخيانة ليستكمل أدواره الخبيثة التي سنوجزها ومن بداية دخول “داعش” للعراق بالخطوات الشيطانية الآتية:

1- ما إن كانت دعوة المرجعية الشيعية في النجف إلى حمل السلاح وتكوين مليشيات الحشد الشعبي بعد هروب مليشيات جيش المالكي في الموصل؛ حتى سارعت عصاباته ومجرميه (المعروفون من أيام حرق المساجد وذبح أئمتها وتهجير أهل السُّنة من مناطقهم عام 2006م) إلى الانخراط في هذا الحشد الطائفي.

2- ساهمت تلك المليشيات بالعبث في المناطق السُّنية بعد هروب “داعش” منها والنيل والانتقام من أهلها وسرقة ممتلكاتهم وتهجيرهم، يداً بيد مع عراب هذه الجرائم قيس الخزعلي (رغم اختلافهم في أمور كثيرة).

3- بعد أن عاثت عصائب أهل الحق فساداً وارتقت مجازرها إلى جرائم حرب وإبادة، بدأت حركات التيار “البهلوانية”، فأعلن مقتدى الصدر تجميد عمل “سرايا السلام” (السم الجديد لمليشيات التيار الصدري والبديل عن جيش المهدي)، وذلك حسب ادعائه في حركة لتطييب خاطر أهل السُّنة الذين تعالت صرخاتهم وآهاتهم من جرم المليشيات، وكأنه ومجرمي مليشياته حمامة السلام وسط سرب الغربان الأسود من مليشيات الحشد الطائفي.

4- ثم لما زادت جرائم مليشيات الحشد الطائفي عامة والعصائب خاصة، صرح تصريحاً “كارتونياً” للاستهلاك الإعلامي، سمى فيه المليشيات المجرمة بالوقحة! مع حرصه على الإشارة إلى تبرئة مليشيات الحشد من جرائمهم ومن أنهم ليسوا أكثر من مجاميع خارجة عن القانون لا تنتمي لجهة معينة.

5- لما تعددت محاور قتال مليشيات الحشد الشعبي في صلاح الدين، ودخل الحديث عن تحرير الموصل من تنظيم “داعش” دائرة الجد والإعداد، قام الفتى الملهم ليعلن إلغاء تجميد مليشياته، ومن أنها رجعت تحت إمرة مليشيات الحشد الشعبي والمرجعية.

6- ليبدأ الرقص على الأنغام الإيرانية حينها على أصوله، بعيداً عن غياب الثبات في الموقف كما يتوهمه، فكانت التصريحات حول قاسم سليماني ووجوده على الأراضي العراقية، حيث جاء على لسان صلاح العبيدي المُتحدث الرسمي باسم التيار الصدري؛ أن سليماني بطل من أبطال تحرير الأراضي العراقية!

7- وفي ذات الوقت يرفض مقتدى والناطقون باسمه الضربات الأمريكية على أوكار “داعش” ويعتبرونها تدخلاً في الشؤون الداخلية! ويخرج لنا بعدها السيد مقتدى وممثلوه في مجلس محافظة النجف ليستنكروا زيارة السفير الأمريكي “ستيوارت جونز” إلى النجف وزيارته الحضرة العلوية! ويصفه مقتدى بأنه شخصية إرهابية، تتدخل في الشأن العراقي!

8- واليوم نراه يصف أبناء الموصل وقد بدؤوا بالتطوع في أفواج تحرير محافظتهم، يصفهم بالمتراخين، في رسالة تثبيطية خبيثة لأهالي الموصل المغلوبين على أمرهم من جهة، ومن جانب أخرى يبرر لدعواته بضرورة تواجد مليشيات الحشد الشعبي وخاصة سراياه المجرمة في عمليات تحرير الموصل.

9- وهكذا نرى مقتدى وتياره المليشياوي ينفذون أجندة خطرة، ظاهرها التخبط في حب الوطن، وباطنها من قبله التنفيذ الدقيق للخطط الإيرانية وما تورثه من مهالك، نسأل الله العفو والعافية للعراق والعراقيين وسائر أهل الحق من المسلمين.

 

Exit mobile version