الموصل ستحاسبكم

د. سنان أحمد           

يدعي “الداعشيون” أنهم على نهج السلف الصالح، فالسلف الصالح بمجمله هو سيره الرسول صلى الله عليه وسلم وكل ما يأتي منها، ورغم عدم اعترافنا بهذا المصطلح المبهم الذي زرعته وسقته دوافع سياسية على أساس محاربة الخرافات والبدع والشرك، وهم ظاهريون، وكل اعتقاداتهم تستند إلى أحاديث تخالف النهج القرآني في الرحمة والمغفرة والتسامح وتكرس الخرافة والحقد، وتدعو للانتقام والقسوة والقتل والدمار، والله يقول بحق رسوله الكريم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107}) (الأنبياء)، وهم يستغلون تفاسير القران ظاهرياً بشكل يدعو للرثاء والحزن، ويهملون المجاز والتشبيه وكل ما يمت للإعجاز القرآني الذي بدأ يتألق في عصر العلم.

ولكي لا نسترسل أكثر وأكثر ونحن نرى ما يفعله هذا الفكر المغلق المحاط بأغلفة سميكة من الغباء المصطنع ليدمر حضارة بلد كالموصل تمتد لأكثر من 3000 عام موغلة في القدم، وهو فكر مغلق مصطنع عكس طبيعة الحياة في تنوعها واختلافها؛ يدفع البعض منهم لاستحضار الماضي واستنساخه استنساخاً مشوهاً لا يمت للإسلام وتسامحه بأي صلة سوى صلة التخريب والدمار التي نشأ عليها هذا الفكر منذ أكثر من قرنين من الزمان، عندما بدأت دعوته بالقتل والذبح الدمار، وكأنهم لم يقرؤوا أو يسمعوا كلام الله: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125)، رغم أن كلام الله كان موجها للرسول صلى الله عليه وسلم لمخاطبة المشركين، فكيف يكون في حاله توجهه للمسلمين؟

ففي الفترة التي عشناها معهم في الموصل وما سمعنا بعدها ونحن على قرب منهم، فإنهم لم يدعوا إلى فعل الحسنات وتجنب الآثام ووعظ الناس بالكلمة الطيبة، بل على العكس من ذلك نراهم يتحينون الفرص لإلقاء القبض على كل من يخالفهم فعلاً أو قولاً ولأقل شبهة؛ كالتدخين أو عدم حضور صلاة الجماعة أو ارتداء ملابس غير مطابقة للباسهم الذي يصفونه بالشرعي، حسب هواهم؛ لإنزال أشد العقوبات كالجلد والحرق والقذف من أعلى العمارات الشاهقة، ناهيك عن جمع الأموال بشتى السبل تحت مسميات الجزية والزكاة والتي حصروها بأيديهم، وويل لمن يدفع مالاً من غير إذنهم لفقير أو معدم، وتم إلغاء كافة الجمعيات الخيرية ودور الأيتام والعجزة ولأنها تخالف شرعهم.

في هذه الأجواء القاتمة، لم يبقَ لص إلا وانتمى إليهم، ولم يبقَ ناقص جاه وسلطة إلا واتبعهم للتنفيس عن عقدهم، وأستطيع والله أن أعد قائمة طويلة بأسماء هؤلاء، وسيأتي اليوم لذلك وهم لا علاقة لهم بالدين من قريب ولا بعيد، ويمشون مع كل ناعق.

هذه الخبطة التي دمرت عشرات المساجد والجوامع والآثار، والتي لها من القيمة والعلمية والتاريخية ما لا يمكن تصوره!

فهذه الآثار لا تعبد ولا تقدس حتى تدمر! وباعوا ما خف وزنه وغلا ثمنه منها وحطموا الباقي، وأغلقوا المدارس والجامعات باسم السلفية الجهادية ومخالفة الشرع.

 ستحاسبهم الموصل أمام الله أولاً وأخيراً للإساءة البالغة التي ألحقوها بالإسلام؛ لأن جرائمهم صارت موازية لجرائم الصرب والصهاينة والنازيين وباسم دين التسامح والعدل.

ستحاسبهم الموصل أمام الله؛ لأن سلفيتنا هي سيرة الرسول والخلفاء الراشدين وصلاح الدين، وعماد الدين، ونور الدين، ومحمد الفاتح، وغيرهم من عظماء الأمة، وكل من رفع رأس الأمة عسكرياً وعلمياً وأدبياً وفي كافه مناحي الحياة، لا كما صب في عقولهم الألباني وغيره بأن السلفيين هم من جاء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بفترة وجيزة.

ستحاسبهم الموصل حساباً عسيراً أمام الله؛ لأنهم شوهوا معالمها الجميلة، وفعلوا ما لم يفعله “هولاكو”، و”نادر شاه”؛ حيث اعتقدنا أن تلك الأزمان قد ولت وإلى الأبد، وسيقفون مطأطئي الرؤوس سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار؛ حتى إن أبا جهل وأبا لهب سيخجلان من الوقوف معهم.

إن مصطلح الإرهاب لا ينطبق عليهم مطلقاً، ويجب أن نبحث عن مصطلح جديد يناسب ما فعلوه، وهي دعوة عامة للتفكير، فما فعلوه يفوق الإرهاب بمراحل عديدة.  

Exit mobile version