مسجد للذكرى

 طارق محمد الشايع (*)

 

مشهد الإبراهيمي: فجر يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الموافق 25 فبراير عام 1994م يدخل “باروخ جولدشتاين” المستوطن الصهيوني إلى الحرم الشريف وهو يحمل بندقيته الآلية، وعلى الفور أطلق “جولدشتاين” رصاصاته القاتلة لتحصد المصلين داخل المسجد، وأسفرت المذبحة عن استشهاد 60 فلسطينياً، فضلاً عن إصابة عشرات آخرين بجراح، وذلك قبل أن يتمكن من تبقَّى على قيد الحياة من السيطرة عليه وقتله.

قام على إثر المجزرة المهندس القائد يحيى عياش بالرد بسلسلة عمليات استشهادية؛ أوقعت العشرات من جنود ومستوطني الاحتلال بين قتيل وجريح، وتوالت المظاهرات الفلسطينية استنكاراً للمجزرة ورد الاحتلال على هذه المظاهرات بقوة واستخدم الرصاص الحي لردعها، وسقط خلالها 53 شهيداً فلسطينياً في مناطق متفرقة، وحول الاحتلال الحرم بعد المجزرة إلى ثكنة عسكرية، وقسم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، أحدهم للمسلمين وآخر لليهود، وركبت البوابات الحديدية والإلكترونية وكاميرات التصوير في داخل الحرم وخارجه.

مشهد الأقصى: فمن حادثة حرقه في عام 1969م، إلى التدنيس اليومي من قطعان الصهاينة للمسجد الأقصى بحجة أعيادهم التلمودية المزورة، والمشاهد المؤلمة التي أصبحنا نراها على شاشات التلفاز وأجهزة هواتفنا من اقتحامات شبه يومية للشرطة الصهيونية واعتداء على الآمنين والمصلين، منع المصلين للدخول إلى المسجد الأقصى، حتى بلغت في إحدى المرات أن لم يصلِّ في المسجد الأقصى إلا قلة لا تتجاوز 15 شخصاً!  حملات الاعتقالات للمرابطين والمرابطات كباراً وصغاراً، حتى أصبح التقسيم الزماني قاب قوسين أو أدنى واقعاً جديداً للأقصى، ولسنا ببعيدين عن واقع التقسيم المكاني!

تتكرر الذكريات سنوياً على شكل مقالات أو خطب جمعة أو بيانات أو غيرها من وسائل التعبير، فهل أصبحت مجزرة الحرم الإبراهيمي وخطورة ما يحدث للمسجد الأقصى ذكريات نتغنى بها لنخبر الناس بأننا نعلم بما حصل في ذلك اليوم؟! أو أن نذكرهم ببشاعة المشهد؟! لست أعيب على أي وسيلة من وسائل النصرة، فهذه المقالة وغيرها من الوسائل التي ننصر بها قدسنا ومسجدنا.. ولكنني أدعو لتضافر الجهود كلها للنصرة والدعم، سواء أكانت مؤسسات أو أفراد، فالمؤسسات العاملة للقدس والأقصى ينبغي عليها التعاون والتكامل لنصرة قضية الأمة، وما هو مطلوب من المؤسسات هو كذلك مطلوب من الأفراد؛ فلا يكفي أن يخطب الخطيب ثم تخرج جموع المصلين إلى بيوتهم ولم ينصروه ولو بدينار، ولا يكفي أن تقرأ مقالاً يستحثك فيه كاتبه لنصرة ودعم ثم لا تحرك ساكناً.

أحبتي في الله: إن لم نتحرك لنصرته أو نصنع الحدث لإيقاف همجية المحتل الغاصب فإننا سنصحو ذات صباح على مشهد ثالث؛ هو مشهد هدم المسجد الأقصى، وبناء هيكلهم المزعوم، حينها يندم الجميع حين لا ينفع الندم.

(*) المنسق العام لرابطة شباب لأجل القدس العالمية

Exit mobile version