لعلّه خير

د.محمد شاطر

د. محمد شاطر

إن القلوب الصادقة الواثقة بالله التي يملأها اليقين بالله عزوجل تدرك أن أمرها كله خير، تصديقاً لقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: “عجباً لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيراً له” (رواه مسلم)، وتعلم أيضاً أن المنح تولد من قلب المحن “إنّ بعد العسر يسراً”، وأن نزول البلاء تمحيص للقلوب وتقريب للعباد إلى ربهم ورفع درجاتهم؛ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ {214}) (البقرة)، فالابتلاء والصبر عليه هو درب أصحاب الدعوات في كل مكان وزمان.

إن ما تتعرض إليه الأمة الإسلامية مؤخراً من ابتلاءات واعتداءات وقتل وتشريد وانتهاكات للمقدسات والرموز من قبل أعداء الإسلام في الخارج والداخل، منهم من هم أبناء جلدتنا وديننا، وآخرها ما قامت به صحيفة “شارلي إبدو” من رسوم مسيئة للنبي الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، إن هذه المحن والابتلاءات وإن كان في ظاهرها الشر إلا إنها تحمل في طياتها إيجابيات وأرباحاً، نعدد منها ما يلي:

 أولاً: لقد استفزت هذه الرسوم وغيرها مشاعر المسلمين وجعلتهم ينتفضون نصرة للحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام في كل مكان في الدنيا على قلب رجل واحد، بعد أن أصاب الأمة الشتات ويئسنا أن يجتمعوا على شيء ولعلها تكون الانطلاقة.

ثانياً: لقد ألهبت هذه البذاءات غيرة المسلمين على دينهم وعلى نبيهم صلى الله عليه وسلم، حتى من كان منهم كثير التفريط والتقصير، ودفع بهم إلى الاجتهاد في العمل لنصرة الدين والحق في نفسه وفي الدنيا من حوله لتكون البداية لمحاسبة النفس والوقوف على مواطن التقصير وأسباب البعد عن الله، وتصحيح المسار إن شاء الله، وذلك مثل ما حدث مع أسد الله حمزة بن عبدالمطلب، فقد أدركته الحميّة عندما عيّرته بعض الجواري بإيذاء أبي جهل لابن أخيه، فتوجه إلى ذلك الشقي وقال: أَتَشْتِمُهُ وَأَنَا عَلَى دِينِهِ أَقُولُ مَا يَقُولُ؟ فرُدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ إنِ اسْتَطَعْت! ثم أنار الله بصيرته بنور الحق حتى صار من أحسن الناس إسلاماً.

ثالثاً: لقد فتحت هذه المحنة وغيرها الباب أمام الجاليات المسلمة في الغرب وفي أوروبا تحديداً واستغلال الحدث لتنظيم حملات تعريف بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم وتوزيع عشرات الآلاف من المصاحف والنشرات التعريفية؛ مما يجعل من المتوقع زيادة أعداد المسلمين من الغربيين، سائلين الله أن تستمر هذه الانتفاضة فيكون ذلك بإذن الله وفضله فتحاً مبيناً.

رابعاً: تحرك بعض الحكومات للمرة الأولى في اتجاه إيقاف هذا العبث؛ من خلال التحرك القانوني بتحويل أولئك المجرمين إلى محكمة الجنايات، وإصدار مذكرات للقبض عليهم، وهو إجراء جدير بكل الدول العربية والإسلامية أن تحذو حذوه، وأن تتحرك كل الهيئات المحبة للسلام لرفع قضايا مماثلة في كل دول العالم، ليدرك أولئك المفسدون في الأرض أن جريمتهم مستنكرة، وأنهم لن يفلتوا من العقوبة الدنيوية، فضلاً عما ينتظرهم من عذاب أليم عند الله عز وجل.

فنحن على يقين بأن النصر لنا والعز لنا والله بقوته معنا، وسيقيض الله للأمة رجالاً يحملون رايات النصر خفاقة.

 فالفجر الباسم قادم من قلب الليل الجاثم    وربيع الأمة آت من بعد شتاء قارس

Exit mobile version