الإعلام العربي وسمسرة الوعظ

عبدالعزيز الكندري

 

 

 

 

ما الذي أصاب الإعلام العربي حتى يصل إلى هذه الدرجة من الذلة والمسكنة وعدم احترام عقل المشاهد وترديد الأكاذيب والشعارات الجوفاء؟، ما الذي جعله يرمي كل قفازاته المخملية ويكشر عن أنيابه الحادة؟، غريب هذا المذيع أو الكاتب أو الواعظ السمسار الأجير الذي باع ضميره من أجل الدراهم والدنانير، فأخذ يتهم الناس ويرمي الأكاذيب بكل صلف، في كل يوم يخرج على قناة، ويسافر من دولة إلى أخرى.

نعم لقد أصبحت مهنة رائجة تدر الكثير من المال، ومن دون أي جهد أو رأس مال، مجرد تغيير بعض الشكليات لزوم أخذ تعاطف البسطاء، وقليل من الكلمات التي يرددها فتبهر المشاهد، ثم يرمي بسمومه على الناس، وإذا لم يكن هناك شرف المهنة على الأقل ألا يوجد ضمير حي يوقف ويحجم هذه النفس المريضة الطماعة، وكيف يمكن لإنسان أن يبيع أغلى ما يملك وهو الضمير، فنراه ونشاهده ونقرأ كتاباته وهو يقذف الناس بكل صلف وجرأة في غير الحق؟!

نعم… نعرف أن الصحافة والإعلام هي للنفوذ، ولكن يجب أن يكون هناك هامش من المصداقية المهنية على الأقل، واحترام عقول الناس مطلب في كافة المجالات والمهن، والتحدث عن الأهم قبل المهم، ووضع اليد على الجرح، والتحدث عن الواقع بشكل واضح وشفاف، ولكن هذا لا يتم وهنا مكمن الخطورة على الإطلاق، وهو فقد روح المنافسة وكشف الوجه الحقيقي والمشوه لهذا الإعلام العربي.

مع الأسف فإن الإعلام العربي وسماسرة الوعظ أصبحوا يضللون الناس بالحجج الواهية، وخلق جو عام زائف غير حقيقي أو واقعي، حتى في قضايا الأمة الكبيرة وربما المصيرية تجده يقف مع الجلاد ضد الضحية، ولعل القضية الفلسطينية خير مثال وشاهد كيف كان يحظر على الفلسطينيين ويقف بجانب الصهاينة وكثير من قضايا الأمة الأخرى.

فهذا الشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع أنواع الحصار والتجويع والاعتداء اليومي والممنهج، اعتداء يومياً حتى على الأملاك الخاصة وهدم البيوت، والفلسطيني الأعزل يحاول أن يمنع الصهاينة بكل الطرق والوسائل الحضارية… ولكن دون جدوى بل تجد الإعلام العربي وسماسرة الوعظ يطالبونك بتقديم التنازلات وما أن تدافع عن نفسك حتى يسلطوا الأضواء عليك ويتهموك بالإرهاب والمخاطرة والمجازفة، نعم مع الأسف هم يريدونك أن تعيش ذليلاً كما هم أذلاء يقبضون الثمن على مواقفهم، وهذه هي مهنتهم التي أصبحت تدر عليهم الأموال بعد أن كانوا فقط يفسرون الأحلام في السابق.

ويقول الدكتور علي الوردي في كتابه و(عاظ السلاطين): «لقد صار الوعظ مهنة تدر على صاحبها الأموال، وتمنحه مركزا اجتماعيا لا بأس به، وأخذ يحترف مهنة الوعظ كل من فشل في الحصول على مهنة أخرى، إنها مهنة سهلة على أي حال، فهي لا تحتاج إلا إلى حفظ بعض الآيات والأحاديث، ثم ارتداء الألبسة الفضفاضة التي تملأ النظر وتخلبه، ويستحسن في الواعظ أن يكون ذا لحية كبيرة كثة وعمامة قوراء، ثم يأخذ بعد ذلك بإعلان الويل والثبور على الناس، فيبكي ويستبكي، ويخرج الناس من عنده وهم واثقون بأن الله قد رضي عنهم وبنى لهم القصور الباذخة في جنة الفردوس، ويأتي المترفون والأغنياء فيغدقون على هذا الواعظ المؤمن ما يجعله مثلهم مترفا سعيدا».

ولكن مع مرور الأيام بدأت الناس تتعرف عليهم، لأننا أصبحنا في زمن من الصعب أن يتم حجب المعلومة، خاصة في زمن التواصل الاجتماعي. نعم كل شيء قابل للإصلاح ماعدا الضمائر حين تفسد.

 

 

 

Exit mobile version